تنطلق يوم الأربعاء القادم فاعليات المؤتمر العالمي لمنظمة الصحة العالمية بشأن الأمراض غير السارية ، والذي تستضيفه مدينة مونتيفيديو عاصمة أوروجواي على مدى ٣ أيام تحت شعار " تعزيز اتساق السياسات بين مختلف مجالات رسم السياسات التي تؤثر على بلوغ الغاية 3-4 من أهداف التنمية المستدامة بشأن الأمراض غير السارية بحلول عام 2030" .
والأمراض غير السارية هى الأمراض المزمنة غير المعدية التي لا تنتقل بين البشر، و تدوم لفترات طويلة وتتطور ببطء ، وتنقسم هذه الأمراض إلى أنماط رئيسية أربعة هي الأمراض القلبية الوعائية (مثل النوبات القلبية والسكتة الدماغية) والسرطان ، والأمراض التنفسية المزمنة والسكري ، وتودي الأمراض غير السارية كل عام بحياة حوالي 38 مليون نسمة ، أى ما يعادل ثلاثة أرباع الوفيات الناجمة عن الأمراض الأخرى غير السارية .
ويهدف المؤتمر إلي تسليط الضوء على الروابط الحاسمة بين الحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية، وتعزيز اتساق السياسات في جميع المجالات التي تؤثر على تصريف الشؤون والوقاية من هذه الأمراض وعلاجها وترصدها ، وذلك بضوء ماسبق واتفق عليه زعماء العالم من أن العبء العالمي للأمراض غير السارية وما يمثله من تهديدات ، يعتبر من أهم التحديات الصحية في عصرنا الحالي .
ويتناول المؤتمر - بالبحث والمناقشة - إطلاق مجموعة من المبادرات العالمية الجديدة لمساعدة الدول على تسريع وتيرة التقدم في الحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية ، وتسريع الجهود الرامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بهذا الشأن بحلول ٢٠٣٠ ، وتوفير إرشادات للدول الأعضاء بشأن کیفیة تحقيقها من خلال التأثير علی السياسات العامة في قطاعات أخرى بخلاف الصحة وتعزيز اتساق السياسات ، وتبادل الخبرات الوطنية في مجال تعزيز اتساق السياسات لتحقيق الأهداف الوطنية المتعلقة بالأمراض غير السارية لعام 2025، إلى جانب تسليط الضوء على قطاع الصحة بوصفه الداعي الرئيسي لتعزيز اتساق السياسات بهدف بلوغ أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بها .
وتؤثر السياسات الوطنية في قطاعات أخرى - بخلاف قطاع الصحة - بشكل كبير على الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية ، ويمكن تحقيق مكاسب صحية بسهولة من خلال التأثير على السياسات العامة في قطاعات مثل الزراعة وإنتاج الأغذية وإنتاج المستحضرات الصيدلانية والضرائب والتجارة والتنمية الحضرية بدلا من إجراء تغييرات في السياسة الصحية وحدها ، إلا أن إحدى العقبات الرئيسية على المستوى القطري تتمثل في الافتقار إلى القدرة على تحقيق اتساق السياسات عبر جميع القطاعات على جميع المستويات ، ومن قبل جميع الجهات الفاعلة من أجل الحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية.
ومن المتوقع أن يسفر المؤتمر عن إصدار وثيقة ختامية موجزة يصدق عليها المشاركون فيه ، على أن تعتبر هذه الوثيقة بمثابة مساهمة في المناقشات التي دارت في جمعية الصحة العالمية الحادية والسبعين بشأن الأعمال التحضيرية للاجتماع رفيع المستوى الثالث للجمعية العامة للأمم المتحدة المعني بالأمراض غير السارية المزمع إقامته في العام القادم (2018)، و العملية الحكومية الدولية المتعلقة بالوثيقة الختامية للاجتماع الثالث الرفيع المستوى المعني بالأمراض غير السارية في عام 2018، الذي سيعقد برعاية رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أصدرت تقريرا جديدا لرصد التقدم المحرز في مجال الأمراض غير السارية لعام 2017 ، أكدت فيه أنه يجب على الحكومات تكثيف جهودها في مجال مكافحة الأمراض غير السارية لتحقيق الغايات المتفق عليها عالميا ، بما في ذلك الوقاية من الوفيات المبكرة لملايين الأشخاص من جراء هذه الأمراض ، حيث تم إحراز تقدم محدود على الصعيد الوطني في مكافحة هذه الأمراض ، والتي تعد من أكبر الأمراض فتكا في العالم، حيث تحصد سنويا أرواح زهاء 15 مليون شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و70 عاما .
وأشار التقرير إلى أن التقدم المحرز في جميع أنحاء العالم غير متساو بل وغير كاف ، علما بأنه يحدد الإجراءات التي تتخذها الدول لتحديد الاهداف ، وتنفيذ السياسات اللازمة للتصدي لعوامل الخطر الرئيسية المشتركة الأربعة القابلة للتعديل ، والمرتبطة بالأمراض غير السارية (التبغ، والنظام الغذائي غير الصحي ، والخمول البدني ، وتعاطي الكحول على نحو ضار)، ولبناء القدرات اللازمة للحد من الأمراض غير السارية وعلاجها.
وأشار الدكتور " تيدروس أدهانوم جيبرييسوس " المدير العام لمنظمة الصحة العالمية - في معرض تقديمه للتقرير - أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات سياسية أكثر جرأة للتغلب على العوائق التي تقف حجر عثرة أمام مكافحة الأمراض غير السارية، بما في ذلك تعبئة الموارد المحلية والخارجية وحماية المجتمعات المحلية من تدخل القوى الاقتصادية القوية ، كما حث على اتخاذ المزيد من الإجراءات الفعالة التي من شأنها أن تنقذ أرواح ملايين البشر وتجنبهم المعاناة.
ويقدم التقرير - المعني برصد التقدم المحرز - بيانات عن 19 مؤشرا في جميع الدول الأعضاء في المنظمة والبالغ عددها 194 دولة عضوا ، وتشمل المؤشرات وضع أهداف محددة زمنيا للحد من الوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية؛ ووضع سياسات شاملة للحكومة برمتها للتصدي لهذه الأمراض ، وتنفيذ التدابير الرئيسية لخفض الطلب على التبغ، والتدابير الرامية إلى الحد من تعاطي الكحول على نحو ضار والنظم الغذائية غير الصحية، وتعزيز النشاط البدني ؛ وتعزيز النظم الصحية من خلال الرعاية الصحية الأولية والتغطية الصحية الشاملة.
وتشمل أبرز النقاط في تقرير عام 2017 ارتفاع عدد الدول التي وضعت أهدافا وطنية للتصدي للأمراض غير السارية ٩٣ دولة مقابل 59 دولة في عام ٢٠١٥ ، فيما لم تحقق 6 دول أي من مؤشرات التقدم بالمقارنة ب 14 دولة في عام 2015 ، ومن بين هذه الدول كان هناك 5 دول إفريقية ، فيما قادت كوستاريكا وإيران الدول الـ 10 الأفضل أداء .
وتهدف الأهداف العالمية الاختيارية الرئيسية الـتسعة لخفض معدلات الوفيات العالمية الناجمة عن الأمراض غير السارية ، وتيسير العمل على مكافحة عوامل الخطر الرئيسية الخاصة بتلك الأمراض ، وتعزيز استجابة النظم الصحية والمحدد لها عام 2025 ، وخفض معدلات الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بنسبة 25% ، وبلوغ مستوى التغطية بالأدوية والتكنولوجيات الأساسية الخاصة بالأمراض غير السارية بنسبة 80% ؛ وبلوغ مستوى التغطية بالعلاج الدوائي والاستشارات نسبة 50% ، وخفض نسبة تعاطي الكحول على نحو ضار بمقدار 10% ؛ و خفض نسبة الخمول البدني بمقدار 10% ؛ وخفض مدخول الملح/ الصوديوم بمقدار 30% ؛ وخفض نسبة تعاطي التبغ بمقدار 30% ؛ وخفض نسبة ارتفاع ضغط الدم بمقدار 25% ؛ وجعل نسبة زيادة الإصابة بالداء السكري والبدانة صفر % .
ويؤكد الدكتور دوجلاس بيتشر، مدير إدارة الوقاية من الأمراض غير السارية في منظمة الصحة العالمية، إن العالم لا يسير على الطريق الصحيح لتحقيق الغايات التي حددتها أهداف التنمية المستدامة لخفض معدلات الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بمعدل الثلث بحلول عام 2030 ، مشددا على الحاجة إلى التعجيل بتسريع التقدم في المعركة الدائرة للتغلب على الأمراض غير السارية.
وسيسترشد بنتائج التقرير الخاص برصد التقدم المحرز في إعداد تقرير المنظمة الذي سيقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا العام ، قبيل الاجتماع الثالث الرفيع المستوى للأمم المتحدة ، المعني بالأمراض غير السارية في عام 2018.
أرسل تعليقك