برلين ـ وكالات
يعكف الباحثون والطلاب في برلين على البحث في المواقف النازية من الفن، حيث يقومون بجمع أكبر قدر من المعلومات حول آلاف الأعمال الفنية الألمانية التي حظرها النظام النازي وصادرها خلال فترة حكمه مثل أعمال ديكس وكولفيتس ومارك.كان هتلر "العدو رقم واحد للفنون": وكان الرسام الشهير أوسكار كوكوشكا يُعتبر خلال الحقبة النازية بأنه "أحطّ المنحطين" فنياً. فكانت أعماله محظورة في آنذاك. إذ قام النازيون بمصادرة أعماله وحتى الآن لم يتم للأسف العثور على جميع أعماله. وحين ظهرت إحدى لوحاته في دار كريستيز لمزادات الفنون الحديثة في لندن، عمّ فرحٌ كبيرٌ مركزَ دراسات برلين المتخصص في أبحاث ما أطلق عليه النازيون بِـ "الفن المُنْحَط".
تأسس مركز معلومات "الفنون المنحطة" عام 2003 في الجامعة الحرة في برلين، وقام بجمع معلومات عن عن الأماكن التي توجد بها 20 ألف عمل فني مُصادَر. ووضع المركز هذه المعلومات في قاعدة البيانات العلمية الخاصة به، وهي الفريدة من نوعها في العالم. ولذلك ما أن حصلت دار المزادات في لندن على لوحة كوكوشكا اتصلت دار المزادات مباشرة ً بمايكه هوفمان، مُنسّقة مشروع جمع المعلومات عن "الأعمال الفنية المنحطة" في ألمانيا، لمعرفة المزيد عن هذه الأعمال الفنية. وتمكنت مايكه، الخبيرة في تاريخ الفن من إعلام دار كريستيز على الفور متى وأين رسم كوكوشكا ذلك العمل الفني تحت عنوان "ابنة المشعوذ".معرض الفنون المنحطة في ميونخ، كما كان يسميها النازيون ويظهر في الصورة جوزيف غوبلز (بالألمانية: Joseph Goebbels) وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية. معرض "الفنون المنحطة" في ميونخ، كما كان يسميها النازيون ويظهر في الصورة جوزيف غوبلز ( Joseph Goebbels) ووزير الدعاية السياسية في عهد نظام النازية
وفي المزاد، لقيت اللوحة، المرسوم عليها فتاة نحيلة مرتدية تنورة، مشترياً اقتناها بـِ 300 ألف يورو. وبفضل المركز البحثي في ألمانيا عرف المالك الجديد تاريخ رسم هذا العمل الفني، كما حصل المركز البحثي بدوره على صورة للوحة من دار كريستيز وأيضاً على معلومات عن مواد الرسم والتقنيات المستخدمة في إنجازها.
يستخدم فريق العمل البحثي الجداول التي أعدها النازيون بين عامَيْ 1937-1938 لتوثيق معلومات حوالي 16585 عمل فني تمت مصادرته. وتوجد في هذه الجداول: "العديد من الثغرات والأخطاء، ونحن نكمل الفراغات في الجداول ونصحح الأخطاء"، كما تقول مؤرخة الفن مايكه هوفمان. وبالإضافة إلى ذلك، ينشر مركز الأبحاث سلسلة من المطبوعات بهذا الخصوص ويقوم بتوفير حلقات دراسية لطلاب الجامعة الحرة بهذا الشأن.روث كلابروث تعمل حالياً على أطروحتها في درجة الماجستير المتعلق موضوعها بِــ الفنون المنحطة. روث كلابروث تعمل حالياً على أطروحتها في الماجستير حول "الفنون المنحطة".لدى الطلاب اهتمام كبير بالجوانب السياسية لتاريخ الفن، كما تقول هوفمان. الطالبة جوانا كلابروث، مثلاً، تلقّت قبل بضع سنوات دورة تدريبية في دار سوثبيز للمزادات في لندن، وشاهدت حينها كيف كانت الصالة تتزود بالمعلومات من مركز معلومات "الفن المنحط" في ألمانيا."كنتُ أشعر بمتعة التعامل مع هذا الموضوع. فتقدمت بطلب لأحصل على درجة الماجستير في بلدي (ألمانيا) لدى الجامعة الحرة (في برلين) حول هذا الموضوع"، كما تقول روث كلابروث. وها هي تعمل حالياً على أطروحتها حول التعويضات المالية التي تلقتها بعض المتاحف المتضررة. والجدير بالذكر أنه تم إنجاز حوالي 30 أطروحة ماجستير ودكتوراه تناولت محاورها الأعمال الفنية المصادَرة خلال الحقبة النازية. ووما زال العديد من مثل هذه الأطروحات قيد الإنجاز.ويأتي العديد من طلاب الدكتوراه إلى مركز معلومات "الفن المنحط"، مثل البريطانية لوسي تلينغ، التي تكتب أطورحة الدكتوراه الخاصة بها حول معرض "الفن الألماني في القرن العشرين"، والذي اُفتُتِحَ في لندن عام 1938 لمواجهة معرض النازيين في ميونخ والذي أطلَق عليه النازيون معرض "الفنون المنحطة". وتقول لوسي تلينغ في هذا الصدد: "أدركتُ أنه من المهم ومن الأفضل أن أقتفي في ألمانيا آثار الأعمال المعروضة في لندن". وقد حصلت لوسي على منحة دراسية لمدة عام من المركز الألماني للتبادل الأكاديمي لإنجاز بحثها في ألمانيا، وعادت بعد ذلك إلى لندن لإنهاء أطروحتها في معهد كورتولد للفنون.
مايكه هوفمان المنسقة والمشرفة على مشروع جمع معلومات الأعمال الفنية المنحطة في برلين. مايكه هوفمان المنسقة والمشرفة على مشروع جمع معلومات الأعمال الفنية المنحطة في برلين.وبحلول خريف العام الجاري، أي في الذكرى العاشرة لتأسيس المركز البحثي "للفنون المنحطة" سيكون المركز قد جَمَع معلومات حول 10 آلاف عمل فني تمت مصادرته آنذاك. وما كان باستطاعة المركز التحقيق في ذلك من خلال موظفيه الأربعة ومتدربَيْن اثنين فقط، لولا مساعدة الباحثين من الطلاب الآخرين: سواء طلاب الماجستير أو الدكتوراه، وخاصة من دول شرق أوروبا. بفضل هذه الجهود، وبفضل مؤسسة فرديناند مولار أيضا، التي أكدت دعمها لهذا المشروع على المدى الطويل تم أيضا الحفاظ تدريجيا على جانب مُهمَل في تاريخ الرايخ الثالث.
أرسل تعليقك