رفح - يسري محمد
لا يزال الطب البدوي في سيناء يمثل أساس علاج الكثير من الأمراض خاصة في المناطق البدوية، رغم التطور الطبي والعلمي الذي شهدته معظم نواحي المجتمع المصري.
ويقول الدكتور قدري الكاشف "إن لكل شعب طبه الشعبي الخاص به، وله وسائل علاجه، مثل الطب الشعبي الصيني عند الصينيين، والطب الشعبي الفرعوني عند الفراعنة، والطب العربي عند العرب وفيه
الطب النبوي".
وأشار الكاشف إلى أن القبائل عندما استقرت في شبه الجزيرة العربية كان معها الطب الشعبي والنبوي، واختلط الاثنان مع بعضهما، مؤكدًا أن فروع الطب الشعبي السيناوي مكوناته (غذائي، وعشبي، وجراحي، وتشخيصي)، وتوجد العديد من الكتب والدراسات في متحف التراث قامت بعمل حصر دقيق للتداوي في الطب الشعبي في سيناء، كما أن إدارة البيئة قامت بعمل حصر لمعظم النباتات الطبية والعلاجية في سيناء، حيث حددت الاسم والمكونات والمادة الموجودة والتأثير الفعال والسمية "الأثر الجانبي" والاستخدمات.
وأضاف الكاشف أن سيناء بستان أعشاب طبية متنوع، كما أن سوق الأعشاب في سيناء مصادره مختلفة، داخلية وخارجية، فسيناء هي أحد المصادر التي تصدر العشرات من الأعشاب والنباتات الطبية، مثل الحنظل والميرامية والباصول والشيح والزعتر وغيره من الأعشاب، وبدو سيناء والوافدون عليهم يستخدمون النباتات الطبية في الطب الشعبي للتداوي، وبخاصة نبات الصبار والتين الشوكي وشوك الجمل، والذي يُعتبر من الأشياء المهمة التي تساعد الكبد على التخلص من السموم، مشيرًا إلى أن التربة والمواد التي تضاف لها تحول المواد الموجودة في النبات وتقلل السكر الموجود في الفاكهة وتغير مذاقها، وأشار إلى أن نبات المورينجا فيه مجموعة متكاملة من المعادن، ويعتبر غذاءً متكاملاً، وله فاعلية مضادة للأكسدة، ويصنف كمكمل غذائي.
أما الأسلوب الجراحي، فقد برع السيناويون في أسلوب الكي بالنار والتجبير من الكسور والحجامة، كما تحدث عن الحمامات الشمسية وأن الفرد يذهب للبحر ويقوم بعمل حفرة ويدفن بالرمل اليابس في أوقات معينة حتى رقبته، واضعًا مظلة تقيه الحر، وتلك تعتبر حمام الساونا في الطب السيناوي، أو ما يعرف بسياحة التجميل، موضحًا أن كثيرًا من العرب يفدون لسيناء ومعهم المتخصصون الذين يوصونهم بالحمام الشمسي، حيث يتخلص المريض من كل السموم والدهون في الجسم، وأحيانًا تعطى مشروبات للمريض لطرد السموم، وعقب الحمام الشمسي ينزل المريض البحر للاستحمام والتخلص من السموم.
ويقول المؤرخ السيناوي عبد العزيز الغالي "إن الطب الشعبي يعتبر جزءًا من المعتقدات الشعبية، وهو يتميز عن بقية المعتقدات بارتباطه بالصحة والمرض، ويتعامل به الكثيرون حتى الآن لمواجهة مشكلاتهم الصحية، في ضوء الخبرات والتجارب الكثيرة المستمدة من البيئة، إذ إن صلة الإنسان العريقة بالطبيعة هي علاقة خالدة، ففي غابر الأزمان استخدم الإنسان أوراق الشجر وجلود الحيوانات ككساء يقيه غوائل البرد وعاديات الحر، واتخذ من الفاكهة غذاء يقيه شر الجوع واستمد من ينابيع الماء ليطفئ نار الظمأ، وآوى إلى أسقف من أغصان الشجر لتقيه حرارة الجو، ونظرًا إلى حياة البداوة التي يعيشها البدوي في الصحراء الشاسعة في سيناء، ومع ضعف وجود الطب والأطباء قديمًا في العديد من المناطق في الصحراء، فقد بحث الإنسان البدوي عن أي شيء يخفف الآمه، فوجد في الأعشاب البرية وفي الحاجات البسيطة في بيته أمرًا قد يساعده في علاج بعض أمراضه، ويخفف عنه الآلام، في حين أن كثيرًا منها كان يفيده في الحالة النفسية فقط، ومع ذلك فإن مجموعة من العلاجات التي ابتكرها لا تزال مستعملة حتى يومنا الحاضر رغم تطور الطب وتقدمه.
ويضيف الغالي أن هناك عددًا من المعالجين من أبناء سيناء قد ذاع صيتهم، وقصدهم المرضى من كل صوب وحدب، منهم من توفاه الله مثل الشيخ صالح الذي تخصص فى علاج السرطان، ومنهم من ورث الطب لأحد من أفراد عائلته ويعيش بيننا حتى الآن، ومنهم من يعرف بين المواطنين بلقب العارف بالله، مثل الشيخ سليمان أبوحراز، والشيخ أبوجرير، وغيرهم، كما تكثر محلات العطارة في العريش، وفي الأسواق المختلفة في شمال سيناء.
وأشار إلى بعض الأدوية التقليدية التي استعملها البدو، وطرق العلاج والأمراض مثل المغص يؤخذ له البنوج المرمري، وحصار البول يؤخذ له البقدونس المغلي، الملعة أي المزق علاجه بالكي، والرمد بالكحل الأسمر وآلام البطن والإسهال تؤخذ الميرامية، وللصداع والسعال يؤخذ البابونج، وحماوة الأمعاء عند الأطفال الكينا تغلى أوراقها، والآم البطن عند الأطفال الشومر تغلى بذوره، والجرح الطيون تجفف أوراقه وتُرش على الجرح، الحروق البطاطا تدق وتُعصر وتوضع على الجرح، الحصوة في الكلى شرش العاقول يُغلى ويشربه المصاب، القراع والحب في الرأس ثمار السرو تدق تُغلى ويُدهن رأس المصاب، والآم الأسنان يغلى ثمار السرو ويتمضمض فيها المتألم، الحزاز بالزعتر، الحموضه في المعدة يؤخذ لها الثوم، وقرحة المعدة البلوط تغلى ماء الجذور، والآم الظهرالبلوط تحرق عيدان البلوط، ويستعمل الرماد كلزقة على الظهر، السكري السريس تًغلى الأوراق وتشرب، السعال قرون الخروب تدق وتغلى وتشرب، الصداع الشديد التشطيب في الأذنين لإخراج الدم الفاسد، لفحة الهواء زيت الزيتون يُغلى ويُدهن صدر ورقبة الشخص، وكذلك كاسات الهواء.
وخلال لقاء عدد من المواطنين في سيناء قال محمد، موظف، وكنيته أبو صفوت، من أهالي مدينة رفح "رزقت في بداية زواجي بطفل، ولما بلغ العامين أصيب بمرض، حيث كان لا يكف عن البكاء المتواصل، وجسمه فيه طفح جلدي شديد طفت به على جميع الأطباء في المحافظة ولم يتحسن، ودلني أحد زملائي عندما رآني مهمومًا على أحد المعالجين في رفح، ولما سألنا عنه أبلغونا أنه توفي وأخته مثله بالضبط تعالج الأمراض وتعلمت منه، واصطحبت زوجتي حاملة طفلنا وذهبنا إليها، فأخذته وأزالت عنه ملابسه ونحن في فصل الشتاء، وأمرت بفنجان زيت زيتون فاتر، وأخذت تدلك وتدهن جسم الولد وتتمتم بكلمات بها اسم الله، ومن العجيب أن الطفل لم يكن يكف عن البكاء قبل الذهاب لها، ولما أجلسته على حجرها لم نسمع له صوتًا، وشخص بصره إلى السماء، وخلال 3 جلسات كان الله قد أتم شفاء ابني"، ويضيف محمد "أردت أن أعطيها شيئًا مقابل علاج ابني، فرفضت، وكادت أن تطردنا"، ويقول "ها هو الطفل سيتزوج فى تموز/ يوليو المقبل".
ويقول سلام عودة، من أهالي رفح "إنه منذ فترة كنا نقصد إحدى السيدات التي تعالج أطفالنا من التلويح، وتعرف كيف تزيل مرض اللوزتين، وتخرج الخضة والخوف من جسم الطفل، ومعروفه للجميع في رفح للرجال والنساء وتعالج الجميع. إنها أم صدام".
وتضيف أم نورهان "لدي طفل يدعى مصطفى عمره عام ونصف كان ملووحًا، وذهبت لسيدة فلسطينية في رفح تدعى أم هاني، وقامت بتدليكه بزيت الزيتون، وشفي، وتم العلاج لمدة 3 جلسات مستمرة.
ويقول عادل من الوافدين لرفح، أوصاني أحد أقاربي بأن أذهب لمحل عطارة الأزهر في العريش، واشتريت له علاجًا عبارة عن أعشاب وعسل وزيت زيتون يأخذه على هيئة شراب ودهان، وذلك لعلاج مرض الصدفية، موضحًا بأن العطار الذي يبيع لم يكن عطار الأمس بل هو صيدلي متخصص، ونصحني بأن العامل النفسي يتوقف عليه العلاج، ودفعت 150 جنيهًا.
وقال أحد المشايخ في رفح إنه لجأ لموضوع الكى بالنار بعد أن طاف جميع أعتاب عيادات الأطباء وذلك لآلام كانت في ظهره، مضيفًا أن العلاج بالأعشاب وبالقرآن يقوم به أفراد يعرفهم جيدًا، منهم الشيخ محمد ممدوح في صلاح الدين، والشيخ موسى من حي الماسورة في رفح.
ويقول الموظف في معبر رفح البري عبد القادر عبد السلام إنه خضع لإجراء الحجامة أكثر من مرة، حيث يعاني من خشونة وآلام في الركبة مع ارتفاع في الضغط، وأخبرنا أنه سيجري حجامة أخرى، وذلك على يد أحد زملائه في المعبر، ويدعى الشيخ رمضان، واليوم رغم التحسن في الخدمات الصحية وتوافر المراكز العلاجية يعود الناس إلى رحاب الطبيعة، التي كانت ولا تزال الصيدلية الأولى للإنسان بحثًا عن صحة أفضل، رغم ما وصل إليه الطب وتصنيع الدواء الحديث من تقدم، حيث يشهد العالم في الوقت الحاضر دعوة إلى الاهتمام بالأعشاب والنباتات الطبيعية واستخدامها في صناعة الأدوية، وبدأت بعض الجامعات الأوروبية والأميركية في العودة لطب الأعشاب، وإقامة محطات تنمو فيها الأعشاب الطبية في ظروف متحكم فيها، وباتت صيدليات بأكملها في أوروبا لا تبيع سوى الأعشاب والنباتات الطبية، وخصوصًا للمرضى الذين أخفقت كل الوسائل الأخرى في علاجهم.
أرسل تعليقك