على الرغم من نمو السياحة بوتيرة فاقت الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدى السنوات التسع الماضية، فقد جاء الوباء ليتسبب في هلاكها تقريبًا. فالقطاع الذي كان حتى وقت قريب يمثل 10% من قوة العمل في العالم يستعد الآن للتخلي عن 121 مليون وظيفة، مع توقع خسائر لا تقل عن 3.4 تريليون دولار، وفقًا لمجلة السياحة “وورلد ترافل”.
لكن في فترة الهدوء النسبي، يخطط البعض لعودة صناعة السياحة في فترة ما بعد اللقاح لتصل إلى وضع أفضل مما كانت عليه قبل مارس (آذار) 2020 في ظل ظروف بيئية أفضل وازدحام أقل. إذا كانت السياحة المستدامة التي تهدف إلى موازنة التأثيرات الاجتماعية والبيئية المرتبطة بالسفر تمثل الحد الخارجي الطموح للسياحة البيئية قبل الوباء، فإن الحدود الجديدة هي “السفر المتجدد”، أو ترك المكان أفضل مما وجدته.
فحسب جوناثون داي، الأستاذ المساعد بجامعة “بوردو” الذي ترتكز أبحاثه على السياحة المستدامة، فإن “السياحة المستدامة تمثل الحد الأدنى، وهو ما يعني أنه في نهاية اليوم لن تكون هناك فوضى في المكان. فالسياحة المتجددة تعني أن نترك المكان أفضل للأجيال القادمة”.
- تعريف التجديد
تعود جذور السفر التجديدي إلى التطوير والتصميم التجديديين، وهو ما يتضمن المباني التي تلبّي اشتراطات “المجلس الأميركي للمرافق البيئية في مجال الطاقة والتصميم البيئي. فهذا المفهوم له تطبيقاته في العديد من المجالات، بما في ذلك الزراعة المتجددة، والتي تهدف إلى استعادة التربة لحالتها وعزل الكربون”. في هذا الصدد، قال بيل ريد، المهندس المعماري ومدير مجموعة “بيجينيسيز غروب”، وهي شركة تصميم مقرها ماساتشوستس ونيو مكسيكو والتي تنفذ مشروعات التصميم التجديدي منذ عام 2015 بما في ذلك المشاريع السياحية: “بشكل عام، الاستدامة، كما نراها اليوم، تدور حول إبطاء التدهور”. ووصف ريد جهودًا مثل كفاءة الوقود وتقليل استخدام الطاقة بأنها “طريقة أبطأ للموت”. وأضاف ريد أن “التجديد يعني استعادة ثم إعادة توليد القدرة على العيش في علاقة جديدة بطريقة مستمرة”. ومع توقف معظم الرحلات في أثناء الوباء، لا يزال مفهوم السفر المتجدد عند بوابة البداية، لكن في فترة الهدوء تحدث الضجة الجديدة. فقد انضمت ست منظمات غير ربحية، بما في ذلك مركزا “السفر المسؤول” و”السفر الدولي المستدام”، إلى تحالف مستقبل السياحة، والذي يهدف إلى “بناء غد أفضل”. فقد وقع ائتلاف من اثنتين وعشرين مجموعة سفر، بما في ذلك منظمو الرحلات السياحية مثل “دي أدفنتشرس” ومسوقو الرحلات مثل “مجلس السياحة السلوفيني” ومنظمات مثل “اتحاد السياحة التجاري”، على المبادئ التوجيهية الثلاثة عشر للائتلاف سابق الذكر، بما في ذلك “المطالبة بتوزيع عادل للدخل” و”تفضيل الجودة على الكمية”.
تتحدث مؤسسة “السياحة النيوزيلندية” المعنية بالسياحة في البلاد عن قياس نجاحها ليس من الناحية الاقتصادية فحسب، بل أيضًا من ناحية رفاهية البلاد، مع مراعاة الطبيعة وصحة الإنسان وهوية المجتمع. ويناقش المعنيون بالسفر في هاواي إعادة وضع الجزيرة كوجهة ثقافية على أمل إعادة إشراك سكان الجزر في إنعاش السياحة بعد أن سئم الكثير منهم من السياحة المفرطة. لتوضيح هذه الخطوط العريضة، يشير داي، الأستاذ المشارك، إلى مفهوم الاقتصاد الدائري الذي يهدف إلى التخلص من النفايات من خلال المنظومة نفسها والحفاظ على المواد قيد الاستخدام من خلال إعادة الاستخدام والإصلاح وإعادة التدوير وتجديد النظم الطبيعية.
استطرد داي قائلًا: “ما زالت السياحة في بداية عملية تطبيق أفكار الاقتصاد الدائري على النظام وكيفية تنفيذ ذلك”.
- التجديد في العمل
قد يتطلب تنفيذ تجربة سفر متجددة وجود شركة ناشئة يتخطى رأسمالها المليار دولار، لكنّ عددًا قليلًا من المشغلين يعرفون كيفية تنفيذ ذلك.
عملت “ريجينسيز” على تطوير منتجع “بلايا فيفا” الصغير جنوب مدينة زيتناغو بالمكسيك، المطل على ساحل المحيط الهادي الذي افتُتح في عام 2009، واستند تقييم الشركة إلى العقار الذي تزيد مساحته على 200 فدان تشمل الشواطئ على مصب النهر الغنيّ بالطيور والآثار القديمة وكذلك مشكلات الصيد الجائر والسلاحف والمدارس الفقيرة بالقرية. في النهاية، أصبحت بلدة غولوتشا الصغيرة بمثابة بوابة للمنتجع، واستفاد كل من المنتجع والسكان المحليين من نظام الزراعة العضوية، وأُضيف رسم 2% على عائدات أي صندوق ائتمان يستثمر في تنمية المجتمع. وأضاف ريد قائلًا: “بدلًا من مفاجئتنا بمنتجع سياحي يستولي على الأرض، لماذا لا نستفيد نحن القرية، فسيكون ذلك نقلة نوعية؟”. يعد منتجع “بلايا فيفا” واحدًا من 45 منتجعًا تابعًا لشركة “ريجينيتف ترافل”، وهي وكالة حجز تقوم بفحص الأعضاء استنادًا إلى مقاييس مثل استخدام الكربون ورفاهية الموظفين وأنشطة الضيوف البحرية وتوفير مصادر طعام محلي. وقد جرى التعامل حتى الآن مع مؤهلات العضوية داخليًا، لكن الشركة تخطط لإطلاق نظام في سبتمبر (أيلول) يوضح التقدم التجديدي.
تهدف وكالة “وان سيد اسكديشنس” للسياحة ومقرها مدينة دنفر، إلى الجمع بين السفر والتنمية الاقتصادية. تستخدم الوكالة 10% من عائداتها لتقديم قروض من دون فائدة للمنظمات غير الحكومية المحلية، حيث تعمل في أماكن مثل نيبال وبيرو. ثم تقوم المجموعات المحلية بإصدار قروض صغيرة لأصحاب المشاريع المجتمعية في أعمال مثل الزراعة والبيع بالتجزئة.
وفي هذا الصدد، قال كريس بيكر، مؤسس الوكالة، إن “المناطق الأكثر احتياجًا لا تقع بالضرورة في مناطق الجذب السياحي الكبرى. نحن نريد استخدام السياحة لنتمكن من إفادة الناس خارج تلك المناطق”. يتضمن العديد من المناقشات حول السياحة المتجددة التهديد الضمني بالعودة إلى السياحة المفرطة التي كانت مسؤولة عن أعداد زائدة من الزوار في أماكن مثل دوبروفنيك بكرواتيا والتي اضطرت في النهاية إلى تحديد عدد سفن الرحلات البحرية المسموح لها بالرسو يوميًا في موسم الذروة. وفي هذا الإطار، قال غريغوري ميللر، المدير التنفيذي لمركز “السفر المسؤول”، وهي مجموعة غير ربحية تدافع عن السفر المستدام: “لفترة طويلة، كان نجاح السياحة يتحدد من خلال زيادة أعداد الزائرين وعدد ركاب الرحلات البحرية. حتى قبل الوباء، كانت هناك حاجة لإعادة التوازن حتى قبل تفشي المرض”.
- من يحدد السياحة “الأفضل”؟
وفقا لأنصار السياحة المتجددة، إن تحديد ما الذي يجعل مكانًا أفضل ومن يتخذ هذا القرار، أمران يتطلبان مشاركة محلية؟
استخدمت منظمة السياحة “فيزيت فلاندرز” التي تمثل منطقة شمال بلجيكا، المدخلات المحلية لإعادة التفكير في مهمتها، وغيّرت موقفها من السفر المتنامي من أجل الاقتصاد إلى “اقتصاد المعنى”، وفقًا لخطتها الرئيسية. يتضمن ذلك العديد من المبادرات منها ربط الزوار بالسكان المحليين الذين يشاركونهم شغفهم بأشياء مثل التاريخ أو الطعام وجعل رواية القصص مركزية في مواقع مثل ساحات المعارك في الحرب العالمية الأولى. وفي السياق ذاته، قالت آنا بولوك، مديرة مؤسسة وكالة “كونشاس ترافيل” التعليمية الاستشارية والتي تعمل على توظيف قطاع السفر كقوة دافعة للخير: “لقد نجحنا في تحويل التفكير من أن يكون هدفهم الأساسي هو زيادة الأعداد إلى إنشاء وجهات مزدهرة”.
تعتقد بولوك أن السفر التجديدي هو مفهوم إلى جانب العرض الذي يطلب من المشغلين بذل المزيد من الجهد من أجل البيئة والمجتمع أكثر مما يأخذونه منها. لكن المسافرين يلعبون دورًا رئيسيًا في الطلب.
استطردت قائلة: “كن مدركًا لحقيقة أن رحلتك ستكون لها مجموعة من التكاليف المرتبطة بها، والتي يجب أن يدفعها شخص ما”. على نفس المنوال: “هل يجب أن أشتري ذلك القميص الرخيص من ذلك المتجر على الطريق، مع العلم أنه تم إنشاؤه بواسطة العمالة شبه العبودية؟ فأنت الآن تفكر بوعي في المكان الذي يتعين عليك الشراء منه، أكثر مما تفكر في الجودة”.
لا يزال يتعين على السفر المستدام، ناهيك بالسفر المتجدد، إيجاد حلول لانبعاثات الكربون الناتجة عن السفر الجوي. وإلى أن يتعافى الاقتصاد، من المحتمل أن يكون هناك سفر أقل، أو المزيد من السفر المحلي، أو سفر أبطأ بالسيارة أو القطار أو الدراجة أو على الأقدام. هذه اللحظة من التفكير، حسب المؤيدين، هي المكان الذي يبدأ عنده التجديد.
قال المهندس المعماري ريد: إن “الأمر يتعلق بكيفية تجديد علاقتنا بالحياة. فهذه عملية مستمرة، وسيحتاج أطفالنا لأن يتعلموا ذلك. فالتجديد هو دورة مستمرة للولادة الجديدة. هكذا نحافظ على الكوكب، إذ لا يمكنك الحصول على كوكب مستدام من دون تجديد”.
قد يهمك ايضا
أبرز الأماكن السياحية في كوالالمبور المُناسبة للأطفال تعرّف عليها
تعرف على أفضل المطاعم الصربية التقليدية في "بلغراد" لعام 2020
أرسل تعليقك