قمة استثنائية بمخرجات والتزامات استثنائية، توجت جهود السعودية على مدار عام كامل في رئاسة مجموعة العشرين، تمخضت عنها سلسلة من التوصيات الهادفة لتحفيز الاقتصاد العالمي وحماية البيئة والإنسان وتمكينه وتحقيق الشمول المالي والرقمي، فضلا عن دعم المواجهة العالمية لفيروس كورونا وتداعياته الشديدة على العالم، لا سيما الدول الأكثر فقرا.وأقرت المجموعة في بيانها الختامي، أنها لن تدخر جهدا لضمان حصول جميع دول العالم على لقاحات مضادة لـ"كوفيد 19" بأسعار مناسبة، مع ضمان حصول الدول الفقيرة عليها، والالتزام بضمان "إبقاء طرق النقل وسلاسل الإمداد العالمية مفتوحة وآمنة"، مع مساندة صندوق النقد للتصدي للتحديات التي تواجه الدول النامية الصغيرة، ذلك فضلا عن توصية استمرار تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يونيو 2021، المتوقع أن يستفيد منها أكثر من مليار إنسان في الدول المدينة.
كما تضمنت مخرجات القمة السعي نحو إيجاد توافق دولي حول القضايا الاقتصادية المطروحة، وتسريع وتيرة معطيات الاقتصاد الأخضر كأحد أهم أهداف التنمية المستدامة، وتمكين ودعم التمثيل الاقتصادي للمرأة، وتعزيز دور الفرص الوظيفية للشباب كأحد أهم برامج الاستثمار في رأس المال البشري، إضافة إلى معالجة قضايا التجارة الدولية ومكوناتها المتعلقة بالأمن العالمي ومرونة أداءها وتذليل معوقاتها، والطاقة والتقنية والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والابتكارات والاستثمار الدولي والبيئة النظيفة والتغير المناخي وقضايا الصحة والغذاء وإنتاجه بطرق مستدامة.
ورصد محللون سعوديون في تصريحات متفرقة لموقع "سكاي نيوز عربية" قراءاتهم لأبرز مخرجات تلك القمة الاستثنائية، والتي انعقدت في وقت تلف فيه العالم سلسلة من التحديات الناجمة عن الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كورونا، والتي فرضت تحديات هائلة أمام الاقتصاد العالمي، وكانت انعكاساتها شديدة الخطورة، لاسيما على الدول الأكثر فقراً.
تتويج لنجاح المملكة
عضو مجلس الشورى السعودي، الخبير الاقتصادي، فضل بن سعد البوعينين، قال في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن نجاح السعودية في عقد قمة مجموعة العشرين هو تتويج لنجاحها المتراكم خلال سنة الرئاسة التي حشدت فيها الجهود الدولية لمواجهة التحديات الاستثنائية الناجمة عن كورونا في جانبيها الصحي والاقتصادي "وأحسب أن النجاح الأكبر يمكن ربطه بالقمة الاستثنائية التي عقدت في مارس، ونتجت عنها توصيات مهمة أسهمت في الحد من تداعيات كورونا الصحية والاقتصادية، وكانت أساساً لمخرجات القمة الأخيرة.. عقدت قمتين في سنة الرئاسة الواحدة، وهذه استثنائية تميزت بها السعودية".
وتابع: "لذا فإن نجاح قمة نوفمبر هو امتداد لنجاح قمة مارس ولجهود مكثفة من القيادة السعودية استحقت عليها التهنئة والتبريكات من جميع الدول المشاركة والاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي.. نفخر بنجاح المملكة في القمة ومساهمتها الفاعلة في وضع الأجندة والتوصيات النهائية، وهو نجاح للدول العربية والاسلامية حيث تمثل المملكة عمقها العربي والإسلامي".
وأكد البوعينين، على الالتزام بتوصيات قمة مارس في جانب التحفيز المالي والدعم؛ فقد خرجت القمة بتوصيات مهمة، منها توصية استمرار تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يونيو 2021، والمتوقع أن يستفيد منها أكثر من مليار إنسان في الدول المدينة، إضافة إلى مراجعة إمكانية شطب بعض ديون الدول الأشد فقراً، وبذل الجهود لضمان وصول لقاحات فيروس كورونا المستجد إلى الجميع بطريقة عادلة و"بتكلفة ميسورة"، وتلبية الاحتياجات التمويلية المتبقية بشأن هذه اللقاحات.
ولفت عضو مجلس الشورى السعودي، في معرض تصريحاته، إلى تبني القمة مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، وهي من التوصيات المهمة، لأهمية المبادرة في المحافظة على كوكب الأرض من جهة، وللخطوات العملية التي تجعلها متوافقة مع متطلبات خفض الانبعاثات الضارة وحماية كوكب الأرض، مما يسهم في الحد من إمكانية اتخاذ قرارات تحفيزية ضد الطاقة الأحفورية مستقبلاً. كما أن إصلاح نظام التجارة العالمية من التوصيات التي تبنتها القمة.
وبشكل عام -وفق البوعينين- فقد قدمت القمة توصيات متعددة لتحفيز الاقتصاد وحماية الإنسان وتمكينه وتحقيق الشمول المالي والرقمي، إضافة إلى حماية كوكب الأرض، وهو ما عزز نجاحها واستثنائيتها في وقت انعقادها ومخرجاتها في ظل ظروف كورونا الطارئة.
مخرجات مؤثرة
جاءت القمة في وقت استثنائي جداً؛ ذلك أنها تعقد لأول مرة افتراضياً، علاوة على أنها جاءت في ظل جائحة كورونا، والتي منذ بدء عقد قمم العشرين لم تحدث أزمة مشابهة لهذه الأزمة، فعادة ما تكون أزمة اقتصادية أو صحية، ولكن لأول مرة تعقد القمة في ظل أزمة صحية اقتصادية.
وقال المحلل الاقتصادي السعودي، سليمان العساف إن "الجميع قد حرص على الحضور والمشاركة في فعاليات القمة التي تعقد بشكل استثنائي افتراضياً هذا العام بسبب ظروف الجائحة".وتحدث الاقتصادي السعودي عن أبرز نتائج القمة، لافتاً إلى "قرارات بما يقارب الـ 11 تريليون دولار لدعم الاقتصاد العالمي، و21 مليار دولار للقاحات"، معتبرا ذلك أمرا مهما "من أجل مساعدة الدول الفقيرة للحصول على اللقاحات، ذلك أنها قد تتأخر في الحصول عليها أو لا تستطيع".
الأمر الآخر الذي يشير إليه العساف، ضمن أبرز مخرجات قمة العشرين، هو مناقشة معالجة اختلالات الاقتصاد العالمي، والعمل على إصلاح منظمة التجارة العالمية، لاسيما في ظل ما وصفه بـ "الاختلالات التي تسببت في عدم استطاعتها التعامل بالشكل المطلوب في ظل الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
وأضاف المحلل الاقتصادي السعودي: "القمة ناقشت ضمن أبرز مخرجاتها أيضاً معالجة ديون الدول الأكثر فقراً، مثل منح إعفاءات تأخير في السداد، وإلى آخره.. علاوة على أمور خاصة بالمرأة، وأخرى تختص بالعلاقات الدولية، والبيئة والانبعاثات وغير ذلك".
خارطة طريق
الكلمة الافتتاحية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كانت بمثابة خارطة طريق نحو حاضر ومستقبل الاقتصاد العالمي والإنسان حول العالم أجمع، هذا ما أكده الكاتب والمحلل الاقتصادي السعودي، عبد الرحمن الجبيري، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، والذي شدد على أن "العالم اليوم يدرك حجم تداعيات فيروس كورونا، الذي ألقى بظلاله على الجميع"، مشيراً إلى أن المملكة لعبت دوراً استثنائياً لتخفيف وطأة الفيروس، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي الذي بات نموذجاً عالمياً تعمل دول العالم على الاستفادة من تجربتها، أو حتى على صعيد التعاون الدولي الذي قدمت فيه المملكة دعماً دولياً".
كما جاءت كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للمضي قدما بخطوات من الإصرار والثقة نحو غد أفضل، في خطاب حمل في طياته مضامين الشمولية التي ينتظرها العالم لتجاوز التحديات العالمية الاستثنائية.
وتحدث الجبيري عن عددٍ من المبادرات التي طرحتها المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين، ومنها مبادرة "الاقتصاد الدائري للكربون" والهادفة -ضمن مجموعة من المبادرات ذات الصلة مثل مبادرة الاقتصاد الأخضر الأوربية- إلى تحول الطاقة لاقتصاديات منخفضة الانبعاثات، مع تواصل الجهود نحو تبني الاقتصاد الدائري للكربون. ومن بين المبادرات التي تضمنتها مخرجات القمة "تمكين المرأة ومستقبل الشباب".
وتحدث الكاتب والمحلل الاقتصادي عن "مبادرة تخفيف أعباء الديون حتى يونيو 2021"، مع تأكيد المجموعة ضمن مخرجات القمة على "أهمية الجهود المشتركة من جانب المقترضين والدائنين الرسميين ومن القطاع الخاص لتحسين الشفافية على صعيد الديون"، ودعوتها صندوق النقد إلى "مواصلة استكشاف أدوات أخرى يمكن أن تخدم احتياجات الأعضاء مع تطور الأزمة تحت مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين".
وقال الجبيري إن "المملكة سعت إلى صناعة إطار عمل تنفيذي، وأظهرت قدرتها على فتح آفاق اقتصادية جديدة نتج عنها جهود تعاونية لاحتواء الأضرار، فتشكلت حزم من تضافر وتوحيد الجهود لدول العشرين، ولذلك كانت هناك قنوات تنفيذية تضم وزراء المجموعة في مجال الاقتصاد والمال والصحة عملت على عدد من الإجراءات التي تضمن توظيف العناصر الإنتاجية".
وأشار إلى أن جائحة كورونا فاقمت من أزمة الديون وزادت آلام الدول الفقيرة، وباتت حالة عدم اليقين تتسيد المشهد الاقتصادي، فعملت المملكة نحو السعي لتعليق ديون الدول الفقيرة لحماية الوظائف والشركات والاقتصادات، وبالتالي تمت الموافقة على ذلك.
عام استثنائي
المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، قال إنه "برغم تداعيات الجائحة وضغطها على اقتصاد وسياسات العالم أجمع، إلا أن المملكة العربية السعودية نجحت في قيادة مجموعة العشرين في عامٍ استثنائي بظروف وأحداث سياسية واقتصادية وصحية غير مسبوقة، وتمكنت من خلق توافق دولي واسع على 30 بنداً شملت حياة الإنسان وعمار كوكب الأرض".
وقال في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه برغم خطورة الجائحة وتسببها في قلب كل خطط الدول والقمم، إلا أن القيادة السعودية أظهرت كفاءة عالية في إدارة الأزمة واحتواء آثارها ورصد المليارات لمواجهتها صحياً عبر دعم منظمة الصحة العالمية والمنظومة الطبية العالمية والاستثمار في مراكز الأبحاث والمؤسسات الطبية في العالم، إضافة إلى تقديم 11 تيرليون دولار لدعم تعافي اقتصادات الدول ومساعدة الأشد فقراً والأكثر مديونية.
ولفت المحلل السياسي السعودي، إلى تأكيد خادم الحرمين الشريفين وولي العهد، على أهمية تضافر الجهود الدولية لتطبيق الخطط التي رُسمت وتنفيذها على أرض الواقع.كما شدد على الرسائل التي أكدتها المملكة والتي نجحت في إحداث ما وصفه بـ"التحول الاقتصادي والاجتماعي الكبير للشعب السعودي".
قد يهمك أيضًا
تقرير يُبيّن أنّ "تعلم الصيد" يساعد طحالب على تجاوز "الانقراض العظيم"
كثر من 50 سفيرًا ودبلوماسيًا في السعودية يشاركون بحملة "لنجعلها خضراء" في منتزه حريملاء
أرسل تعليقك