بيروت - ياسمين بشارة
أكّدت الطبيبة النفسية بولا حريقة على حاجة المريض النفسي، ليس فقط الى مصداقية المعالج والطبيب النفسي، إنما أيضاً الى إنسانيته في مراحل علاجه.
و رفضت في حديث خاص مع "صوت الإمارات" الثقافة التي تعتبر المريض النفسي مجنونًا, وأصرّت في لقائنا على أن لا عمر محدّد لخضوع المريض الى علاج نفسي، على عكس ما يُشاع. إذ ساد منذ زمن بعيد الإعتقاد بأن سن الـ 58 هي العمر الأخير للتدخّل العلاجي النفسي للمرء. لكن، تبيّن لها، ومن خبرتها الشخصية, أن نوع الإضطراب ورغبة الفرد في العلاج هما اللذان يحدّدان هذه السن وليس العكس. ورأت أن عملية تقييم العاملين في الطب النفسي لا تأتي وفقًا لعدد المرضى الذين يرتادون عياداتهم, سواء حققوا الشفاء لهم أم لا، بل بعدد المرضى الذين تغيّرت حياتهم بعد تحقيق الشفاء.
وفي إطار سؤالنا عن الفرق بين عالِم النفس Psychologist والطبيب النفسي Psychiatrist، أوضحت د. حريقة بأن عالِم النفس Psychologist , يجب أن يكون حاصلاً على شهادة دكتوراة واحدة في هذا الإختصاص وفق التصنيفات العالمية. أما بالنسبة الى الطبيب النفسي فهو طالب في كلية الطب ويكون اختصاصه الأمراض العصبية والمخوّل الوحيد لوصف الدواء. وأضافت انه غالبًا ما يحتاج المريض النفسي الى معالج نفسي وطبيب نفسي في الوقت ذاته، لا سيّما في أيامنا الحالية حيث أصبح القلق أحد أخطر أمراض العصر كونه نواة العديد من الإضطرابات التي تحتاج الى العلاج الدوائي، ومنها، على سبيل المثال، الفوبيا والإكتئاب ونوبات الذعر والوسواس القهري. وتضيف أنه في حال تبيّن لنا عند وصول المريض أنه يحتاج الى الدواء، فمن الأفضل إستشارة الطبيب النفسي الذي يحدّد العلاج الدوائي أولاً ثم يبدأ التدّخل النفسي العلاجي بعد 15 أو 20 يومًا من أخذ الدواء، كما تنصح.
ووافقت د. حريقة على وجود حالات إمتد علاجها النفسي لسنوات بينما بالفعل كانت تحتاج لفترة علاج أقلّ بكثير. وهذا الأمر يعود الى مصداقية المعالج النفسي وإلى إنسانيته فقط. وشرحت أن لديها شخصياً العديد من الحالات التي أمضت سنوات في العلاج من دون أي تقدّم, بل كان وضعها للأسف يزداد سوءًا ، ومنها حالتين كانتا الدافع لها لإعداد المؤلفَين اللذين سيبصران النور قريبًا. الحالة الأولى عن مريض أمضى 11 عامًا في العلاج من دون فائدة وانتهى علاجه في عيادتها بعد 4 أشهر بمعدل جلسة واحدة في الأسبوع, وآخر أمضى في العلاج 14 سنة وانتهى علاجه في عيادتها بعد 6 أشهر بمعدل جلسة واحدة في الأسبوع.
وأكّدت أن للخبرة أهمية كبرى في موضوع العلاج النفسي، لأنها تمكّن الطبيب النفسي من حسن إختيار التقنيات العلاجية الخاصة بكل حالة لتقصير مدّة العلاج, لأن المريض المتعب أساسًا, والذي تتأثر حياته كلها بوضعه النفسي، لا يستطيع أن ينتظر سنوات لتتحسّن حاله وتتغيّر حياته. وأوضحت أنه عندما يدرك الفرد أن حياته ليست بخير بشكل عام، وأن علاقته مع الآخرين، أكان في المنزل أو العمل أو المجتمع، مصابة بخلل معيّن، وأنه عاجز عن إيجاد الحلول لمشاكله، ناهيك عن شعوره بالوهن الداخلي، عليه أن يدرك أنه ليس على ما يرام ويتوجّه فوراً الى المعالج النفسي. وعليه، ترفض الثقافة التي تعتبر المريض النفسي مجنونًا, وهذا خطأ فادح في مجتمعنا الشرقي.
وأضافت حريقة أن منظمة الصحّة العالمية أكدّت في بيان رسمي لها أن 83% من الأمراض التي تبدأ بمجرد الحساسية وصولاً الى السرطان سببها نفسيّ. و
عدّدت في سياق لقائنا الحالات النفسية الأكثر شيوعاً في الوقت الحاضر وهي: القلق، الإكتئاب، المخاوف المرضية، نوبات الذعر، الوسواس القهري، محاولات الإنتحار، الإضطراب الوجداني الثنائي القطب، الخلافات الزوجية والطلاق والإدمان بمختلف أنواعه ( النرجيلة، المخدرات، الألعاب الإلكترونية... )، كما المشاكل الجنسية ومن أهمها إضطراب الهويّة الجنسية.
وأكّدت د. حريقة عن وجود صحّة نفسية نسائية وأخرى خاصة بالرجال من حيث الفوارق النفسية والتربوية والإجتماعية والفيزيولوجية بين الجنسين.
وعن رواج العلاج النفسي نسبيًا في السنوات الأخيرة بعدما كان مغموراً في الماضي، قالت إنه لم يكن مغموراً بل كان مرفوضًا في دولنا العربية, واليوم أصبح رائجًا لشدّة الحاجة اليه. فالغالبية اليوم منا تعاني من القلق والخوف على المستقبل وعدم الاستقرار النفسي وكل الاضطرابات الأخرى الناجمة عن الوضع الحالي المأزقي في الوطن العربي, لذلك تزدحم العيادات النفسية بالروّاد المتعبين.
أما الثقة بالطبيبة النفسية بالنسبة الى الرجال فتعود الى مسألة الثقة التي تتعلق بمصداقية الطبيب وإنسانيته وخبرته وقدرته على تطويع التقنيات العلاجية لمصلحة المريض. أما بالنسبة إليها فقد على ابتكار تقنيات علاجية خاصة بها، ثم عملت على تطويرها وفق الحالات التي عالجتها.
ونفت عن أن هناك حالات إضطرابية تؤدي بالمريض الى الانتحار وتَستعصي على الطبيب معالجتها، إلا في حال كان المريض لا يتناول الدواء في أوقاته ولا يتابع جلسات العلاج بانتظام. أما بالنسبة الى العنف فغير مسموح أساسًا ضمن العلاج النفسي، لكن في حالات خاصة، تضيف حريقة، يمكنها اللجوء الى ما يُسمى بالعلاج الصدمة، وهو تقنية علاجية تفاعلية بين المعالج والمريض تعطي زخمًا للعلاج ومفيدة للغاية. أما في حالات تعلّق المريض بطبيبه فلم تنف د. حريقة الأمر، إلا أن على الطبيب أن يستثمر هذه العلاقة بالإتجاه الصحيح و التفريق بين استغلال العلاقة واستثمارها. ثم يبقى على الطبيب أن يعيد العلاقة الى وضعها الطبيعي في الوقت المناسب بحيث لا يتأثر المريض بشكل سلبي. أما المفاهيم الخاطئة عن الطب النفسي فهي أن بعض الأطباء النفسيين في هذا المجال يطيلون مدة العلاج فيستغلون المرضى تحقيقًا للربح المادي.
نشاطاتها الحالية:
- مسؤولة عن برامج الحماية والدعم النفسي والإجتماعي ضمن جمعية Beyond Association .
- مسؤولة عن تحضير برامج متخصّصة ضمن محور حماية الأطفال لفئة العاملين بينهم ما بين 6 و 14 عامًا، يستفيد منها أطفال منطقتيّ جبل مِحْسن وباب التبانة في شمال لبنان, ضمن مشروع لمكافحة أسوأ أشكال عَمالة الأطفال مع جمعية Beyond Association أيضًا.
مؤلفات الدكتورة بولا حريقة
- موسوعة الأسرة الحديثة بسيكوبيديا، موسوعة الطفل من الحمل إلى البلوغ، 18 مجلّدًا، صادرة عن دار نوبليس 2001.
- مشاركة مع المؤرخ "طوني مفرّج" في إعداد موسوعة قرى ومدن لبنان، 24 مجلداً، صادرة عن دار نوبليس.
- مشاركة مع المؤرخ "طوني مفرّج" في إعداد موسوعة عالم الأديان، 24 مجلداً، صادرة عن دار نوبليس 2004
- قريبًا في الأسواق كتابان أوّلان من سلسلة الشفاء النفسي الذاتي كما بحث أسبوعي سيُنشر في مجلة علمية أميركية.
أرسل تعليقك