حفرت البرتغال اسمها مع المنتجات المحلية، بعد الركود الكبير، بفضل إعادة الاستثمار في العلامات التجارية للتراث المنزلي الغنية بالحرف المتنوّعة في البلاد والتقاليد الحرفية المتميّزة،
ويعود الفضل في ذلك إلى الكثير من أصحاب المشاريع في الأربعينيات من عمرهم، الذين ولدوا في مرحلة ما بعد الديكتاتورية، أصبحوا مبتكرين في آفاقهم وحرصوا على تأييد تسمية "صنع
في البرتغال" على الساحة العالمية، فالبرتغال ليست فقط عبارة عن استراحات المدينة المشمسة وركوب الأمواج وتناول وجبة خفيفة مع كوب بارد على الميناء، وتعدّ مدينة بورتو ثاني أكبر
مدينة في البرتغال بعد العاصمة لشبونة، وتعتبر أساس التصنيع المحلي البرتغالي، مع تقليد طويل لصناعة الأثاث والمنسوجات، حيث أصبحت مكانًا للإبداع، كما تعد أحدث ماركة محلية
ناضجة للتجديد في بورتو شركة "كلاوز بورتو"، لصناعة الصابون والعطور، والتي تأسست منذ ما يقارب الـ130 عامًا، وتباع منتجاتها من الصابون المعبئة بشكل رائع في الولايات المتحدة
وأوروبا، ومع ذلك فإنه لا يزال دخلها منخفضًا نسبيًا، وقد قامت شركة "مينلو كابيتال" المملوكة للقطاع الخاص البرتغالي حيث إمكاناتها كعلامة تجارية عالمية، بشراء حصة من الشركة في عام 2015.
وشارك فريق من المبدعين الأوروبيين بقيادة الرئيس التنفيذي لشركة بورتو "فرانسيسكو نيتو" الذي عمل جنبًا إلى جنب مع حفيد رائد الأعمال الذي عزز ثروة العلامة التجارية لأول مرة في
العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين "أكويليز دي بريتو"، ومدير الفن "آن-مارغريت" في أمستردام ، لإعادة إطلاق كلاوز بورتو مرة اخرى، تمّ فتح المخازن الرئيسية الجديدة التّي
صممها المهندس المعماري "خواو مندس ريبيرو" في لشبونة وبورتو، كما أنّ هناك خطوط إنتاج جديدة ومحسنة، وقامت رائدة العطور البريطانية "لين هاريس" بتجديد العلامة التجارية وبدأت من خلالها إعادة عرض مجموعة من الشموع المعطرة "ديكو"، وتقول هاريس: "كانت كلوز بورتو معروفة بتغليفها وليس بعطرها، لقد أوجدوا العطور للملكية البرتغالية من خلال عصور
مختلفة، لكنهم فقدوا هذا الجانب منه، وأنها أصبحت معروفة أساسا بصابونها"، مضيفةً "بالنسبة لشموع ديكو، توصلنا إلى مجموعة من المواد التي تمثل بورتو والبرتغال معًا وتتميّز بثراء
المنتجات المحلية"، موضحةً "على سبيل المثال، فافوريتو هو من الخشخاش الأحمر، لكن ليس لديه رائحة، لذلك قمنا يتزويده برائحة مكثفة من الفاكهة، تنبض بالحياة"، على الرغم منّ أن
جميع الصيغ جديدة تمامًا، إلّأ أنّهاانها عملت في معظمها مع الملاحظات الموجودة، وتعلّق هاريس قائلةً: "إنّ العلامة التجارية لديها هذا السحر، إنّها انتقائية جدًا ومجنونة، وقد رعبت بحماية وتعزيز هذا التراث"، وستتابع سبعة عطور جديدة في وقت لاحق من هذا العام، بما في ذلك العطر الذي يلتقط رائحة اليوسفي الذي يحصد في بداية العام في بورتو، وعملت هاريس على
سلسلة من الروائح للعلامة التجارية "سير ترودون" للتراث الفرنسي، وتقول "أنّ العمل مع البرتغال كانت تجربة مختلفة جدًا، مضيفةً "بأنّهم متواضعون جدًا ولا يتكلّمون لكنني اعتقد أنّ الوقت قد حان".
واستهدفت مجموعة من العلامات التجارية البرتغالية الفاخرة الجديدة، صناعة الأثاث، التي أطلقت في العقد الماضي والتي تتخذ معظمها من منطقة ريو تينتو الواقعة خارج بورتو، سوق المنازل البريطانية في السنوات الأخيرة، حيث أطلقت بولا سوزا ماركات الأثاث "مونا"، وتخصّصت في المفروشات الأنيقة، و "جينجر & جاغر"، التي استلهمت القطع الخاصة بها من
الطبيعة، في طرق المعادن، والرخام المنحوت يدويًا، كما استخدمت كل من العلامة التجارية لتزويد مخازن "ديور" في جميع أنحاء العالم، وتقول سوزا: "لقد كان سوق المملكة المتحدة عاملًا
أساسيًا لعلاماتنا التجارية منذ بدايتها، وتبقى على هذا النحو، لدينا علاقات رائعة مع مصممي الديكور الداخلي هناك، إنّها مثيرة جدًا للعمل مع هذه السوق الناضجة في جميع الانحاء، سواء على التصميم أو نهاية الأعمال، وهذه الثقافة الجديدة تمثل تغييرًا في المكتشفين، وهي قصة فريدة من نوعها وهو ما يجري تصميمها وجعلها هنا".
وتدير العلامة هي مجموعة "كوفيت"، "أمانديو بيريرا" البالغة من العمر 38 عامًا، والتي تشمل علاماتها التجارية الستة "إضاءة ديليتفول"، المتخصصة في النحاس المستوحى من العصور
الوسطى والرخام في منتصف القرن الماضي، كما ان العلامة التجارية الأخوة "بوكا دو لوبو" لديها قطع التوقيع التي تشمل الطاولات الفخمة مع قواعد دمج البلاط أزوليغو البرتغالي الموجود
على واجهات مبانيها، وتفخر بيريرا بأن تكون جزءًا من عصر التصميم الجديد في البرتغال، حيث تؤكّد :"أرى العالم مكانًا يمكن اكتشافه والتمتّع به بدلًا من الخوف، على عكس الأجيال الأكبر سنًا، ونحن نحب التحدّيات ونريد أن نقدم منتجاتنا لتصميم المتحمسين في جميع أنحاء العالم".
وتبلغ الصادرات 95 في المائة من معدل دورانها، فهذه العلامات التجارية هي جزء من التماثل الجديد، وإيجاد قطع البيان التي تكتشف مهارات البرتغال في صناعة الخشب، النجارة،
المفروشات والأشغال المعدنية، الألواح الجانبية مع واجهات مزخرفة في الغابة الغريبة، والجداول والزهر البرونزية مع قمم الرخام والأرائك المخملية، حيث تشتهر العلامة التجارية فيستا
أليغري بالخزف والبورسلين، جيران مخزن كلوز بورتو، والتي ترفع جودتها أيضًا، بتكليف المصمّمين المشهورين عالميًا مثل خايمي هايون ومايسون كريستيان لاكرويكس لتصميم أدوات
المائدة الزخرفية الجديدة، وتستفيد خبرة البرتغال في مجال السيراميك والمنسوجات في شركات مثل أنثروبولوجي وهابيتات وغيرها، التي ربما تكون قد استثمرت سابقًا في الصين، لكنها تدرك
المزايا الاقتصادية واللوجستية للمصادر قائلًا "تعتبر البرتغال في كثير من الأحيان أمة نائمة، لكننا وجدنا أنها تحاول دائمًا الاستمرار في التجربة، لا سيما في السيراميك، مع تقنيات شبه حرفية مثل النقش والزجاج التفاعلي، وكان لديهم ركودًا رهيبًا والكثير من المصانع المغلقة،ولكن تلك التي نجت هي جيدة حقًا، وتنتج أشياءً الرائعة".
يُشار إلى أنّه في ظلّ الدكتاتورية التي استمرت لمدة 48 عامًا وانتهت في عام 1974، لم تتحسن الأمور على الفور، فعندما انضمت البرتغال إلى الاتحاد الأوروبي عام 1996 انتقلت
الشركات متعدّدة الجنسيات وتكتلات عالمية ازدهرت على حساب العلامات التجارية البرتغالية المحلية، التي ينظر إليها على أنها متخلفة، قديمة الطراز ومزجة بالفقر والقمع، على الرغم من ذلك سلّطت البرتغال الضوء على التوقعات الدولية الإيجابية وتحدت الأزمنة المالية الصعبة الأخيرة.
أرسل تعليقك