أكدت الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار أن الثقافة تعتبر مصدرا للتنمية، وأوضحت أن إقامة الملتقى الوطني الثاني للتراث الثقافي غير المادي يعد حدثا هاما لكونه يأتي في سياق انشغال عالمي بالتبعات الاقتصادية للأزمة الصحية الراهنة التي سببها تفشي فيروس كورونا "كوفيد-19"، لافتة إلى أهمية الاهتمام بالجوانب الثقافية التي تأثرت بشكل كبير خلال الأزمة، وبينت أن نشاط هيئة الثقافة لإقامة ملتقى كهذا يعكس مبادرة مملكة البحرين الدائمة والمستمرة في دفع الجهود الإقليمية للإهتمام أكثر بالثقافة.
ولفتت الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة إلى جهود المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بوصفه أحد المنجزات الهامة في مسيرة مملكة البحرين في رعاية وحفظ وصون التراث الثقافي، إذ ساهم في لفت الانتباه إلى الأصعدة المحلية والإقليمية نحو منح التراث الثقافي غير المادي اهتماماً ورعاية إضافية تجسيدا لاتفاقيات اليونسكو على أرض الواقع.
جاء ذلك في لقاء خاص أجرته وكالة أنباء البحرين "بنا" مع الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار، بينت فيه نجاح مملكة البحرين بالانتقال بالتراث الثقافي غير المادي العربي والإسلامي إلى العالمية حين نجحت في تقديم مقترح يوم عالمي للفن الإسلامي إلى منظمة اليونيسكو، وأكدت أن هناك توجها لإقامة احتفالية خاصة في مبنى اليونسكو في باريس حول الفن الإسلامي نوفمبر القادم، موضحة أهمية مشاركة المملكة في تقديم ملفين عربيين إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونيسكو وهما ملفا "النخلة" و"فنون الخط العربي"، كما أكدت امتلاك مملكة البحرين للمقوّمات التي تؤهّلها للحفاظ على التراث غير المادي، وأبدت تطلعها لإبقاء شعلة العمل الثقافي متّقدة في ظل كافة الظروف.
- يقع التراث غير المادي على مفرق طرق بين الطبيعة والتاريخ والهوية.. كيف ترون هذا الواقع؟
التراث الثقافي غير المادي هو التراث الحي الذي يعبّر عن الشعوب والأوطان ويمتلك عمقاً تاريخياً ومتجذّراً، ولا يمكن أن ينفصل هذا التراث عن البيئة الطبيعية والسياق التاريخي الذي نشأ فيه، فهو يعكس حياة المجتمعات وتقاليدها وفنّها المتوارث عبر الأجيال. ومع اختلاف الجغرافيا والأزمنة، اختلفت طرق معيشة المجتمعات وممارساتها الاحتفالية التقليدية ووسائلها في التعبير الشفهي عن واقعها وطموحاتها وأحلامها وطرق وسرد ماضيها وثقافتها.
- يهتم المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي بالتراث العربي عامةً.. وإنشاء هذا المركز أعطى بعدا مختلفا لهذا الاهتمام.. كيف ترون ذلك؟
يعد المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي أحد المنجزات الهامة في مسيرة مملكة البحرين في رعاية وحفظ وصون التراث الثقافي، ليس فقط في مملكة البحرين، بل في الوطن العربي أجمع. فمنذ تأسيسه عام 2010م، يعمل المركز بالتعاون مع مختلف الجهات الرسمية في مملكة البحرين ممثلة بهيئة البحرين للثقافة والآثار، وغيرها من المؤسسات الرسمية في الوطن العربي على متابعة حالة صون وحفظ مواقعها التراثية الثقافية والطبيعية، هذا إضافة إلى دور كبير في عملية بناء قدرات الخبراء العرب ورفع التوعية المجتمعية بأهمية التراث الثقافي المادي في تحقيق التنمية المستدامة. ونشير هنا إلى أن التراث المادي يتكامل مع تراثنا غير المادي ومن هنا أهمية هذا المركز الذي يولي أهمية قصوى للتراث المادي الموجود في العالم العربي.
إن جهود المركز في هذا المجال، ألقت الضوء بشكل عام على أهمية التراث المادي في البلدان العربية، وهو ما ساهم كذلك في لفت الانتباه، على الأصعدة المحلية والإقليمية، نحو منح التراث الثقافي غير المادي اهتمام ورعاية إضافية، كي نجسّد اتفاقيات اليونسكو على أرض الواقع ونعمل مع هذه المنظمة العالمية لحفظ إرثنا المحلّي والعربي.
- تحتضن مملكة البحرين الملتقى الوطني الثاني للتراث الثقافي غير المادي.. برأيكم كيف ترون أهمية إقامة مثل هذه الملتقيات وأثرها على خارطة إنجازات مملكة البحرين الثقافية؟
يمثل الملتقى الوطني الثاني للتراث الثقافي غير المادي حدثاً هاماً من عدة جوانب، فهو يأتي أولاً في سياق انشغال عالمي بشكل أساسي بالتبعات الاقتصادية للأزمة الصحية الراهنة التي سببها تفشي فيروس كورونا، مع اهتمام بالجوانب الثقافية التي تأثرت بشكل كبير خلال الأزمة، فنشاط هيئة الثقافة لإقامة ملتقى كهذا يعكس مبادرة مملكة البحرين الدائمة والمستمرة في دفع الجهود الإقليمية للإهتمام أكثر بالثقافة كمصدر للتنمية، ويساهم في رفع مستوى الاهتمام الرسمي بها في ظل الأزمة الصحية. فيعمل هذا الملتقى بشكل أساسي إلى رفع الوعي المجتمعي حول أهمية عناصر التراث الثقافي غير المادي وماهية وضعها الحالي اليوم، وحصر وحفظ وصون عناصر التراث الثقافي غير المادي.
- التراث الثقافي غير المادي هو الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات.. فما هي جهود مملكة البحرين في هذا الجانب، وكيف يمكن المحافظة عليها؟
تنعكس أهم ملامح اهتمام مملكة بالبحرين بالتراث الثقافي غير المادي في توقيع المملكة على اتفاقية عام 2003 لحفظ التراث الثقافي غير المادي، وهي اتفاقية تقع تحت مظلة منظمة اليونيسكو. كما أن سعي هيئة البحرين للثقافة والآثار، المؤسسة الرسمية المعنية بالشأن الثقافي في المملكة، لتعزيز التراث الثقافي غير المادي يعبّر عن توجّهات البحرين نحو الارتقاء بهذا الجانب من التراث الثقافي.
فمملكة البحرين تمكّنت من الاطلاع بدور هام في حفظ هذا الجزء من التراث الإنساني على المستويين المحلي والإقليمي. ومن أمثلة ذلك مشاركة المملكة في تقديم ملفين عربيين إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونيسكو وهما ملفا "النخلة" و "فنون الخط العربي". كما ونظّمت هيئة الثقافة الملتقى الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي في مملكة البحرين خلال الربع الأخير من العام الماضي، واليوم تعمل الهيئة على الانتهاء من ملف "فن الفجري" ليكون أول ملف خاص بالمملكة على قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي غير المادي.
كما انتقلت البحرين بالتراث الثقافي غير المادي العربي والإسلامي إلى العالمية حين نجحت في تقديم مقترح يوم عالمي للفن الإسلامي إلى منظمة اليونيسكو حين كانت المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2018م، واعتمدته المنظمة العام الماضي ليوافق يوم 18 نوفمبر من كل عام، ونحن بصدد تنظيم احتفالية خاصة في مبنى اليونسكو في باريس حول الفن الإسلامي في نوفمبر من هذا العام.
- يعاني هذا النوع التراثي غير المادي من الهشاشة رغم وجوده على قائمة اهتمامات اليونسكو.. فما هو واقعنا اليوم، وما هي ملامح المستقبل؟ وكيف نضمن عدم التشويه أو الانقراض لمثل هذا النوع من التراث؟
إن اتفاقية عام 2003 لحفظ التراث الثقافي غير المادي التي عملت عليها منظمة اليونسكو بعد اتفاقية عام 1973م والتي تعنى بالتراث المادي ما هي إلا دليل على حرص كافة الدول للالتفات لهذا الإرث الإنساني الحي والذي يحكي قصص الشعوب وفنونها المختلفة والثرية. وانضمامنا لهذه الاتفاقية يعكس حرص مملكة البحرين على المحافظة لإرثها المحكي والمعاش والذي نقلته لنا أجيال سبقتنا. ومن هنا التزام هيئة البحرين للثقافة والآثار بإشراف مباشر من معالي رئيسة الهيئة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة أن تكون هذه الفنون ضمن استراتيجية الهيئة ورؤيتها للاهتمام بها والمحافظة عليها مع الارتقاء بها وإيصالها للعالمية، دون أن ننسى الدور التوعوي الذي علينا القيام به مع الاهتمام بكل من يزاول هذه الفنون أكانت فنيّة أو حرفيّة. ولذا لا نخاف على ديمومتها وعلى مستقبلها ما دام هناك جهات رسمية ومنظمات دولية تعمل على المحافظة عليها، وما دام هناك من يحبّها ويمارسها بشغف وإتقان.
- هل تمتلك البحرين البنى التحتية التي تضمن ذلك؟
مملكة البحرين لديها المقوّمات التي تؤهّلها للحفاظ على التراث غير المادي، فالتاريخ حمل لنا الماضي بجماله وروعته وها نحن في هيئة البحرين للثقافة والآثار نقوم بما في وسعنا وبتعاون ما بين القطاع العام والقطاع الخاص بالمحافظة على إرث الماضي وخلق بنية تحتية تليق به في كافة مناطق البحرين، فللموسيقى قمنا باستعادة دار جناع ودار الرفاع وبتشييد دار المحرق ودار الرفاع والعودة للعمل على المحافظة على المخزون الموسيقي التراثي، كما نعمل على إنشاء مصنع نسيج بني جمرة لحرفة نوليها أهمية كبرى، هذا بالإضافة لحفظ الأرشيف المحكي عبر تسجيل عدد كبير من المقابلات مع من حمل هذا التاريخ الشفهي إلينا وتوثيقه ضمن مقابلات خاصة نعرضها على مواقع الاتصال الاجتماعي التابعة للهيئة. وهنا نذكر طبعاً دور المجتمع المحلي والمؤسسات الخاصة التي تقوم بدورها المميز في الحفاظ على هذه المكتسبات التراثية، ونحن كجهة رسمية يسعدنا دائما التنسيق مع كافة الجهات الخاصة والعامة لدعم هذه القطاعات بمختلف تخصصاتها.
- كيف تنظرون لمستقبل التراث في البحرين، في ظل تحديات كورونا وما بعد كورونا؟
التراث جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية لمملكة البحرين والتي تضم العديد من العناصر، ونحن نسعى بكل جهدنا من أجل الإبقاء على شعلة العمل الثقافي متّقدة في ظل كافة الظروف. ولم تثنينا أزمة تفشي فيروس كورونا عن أداء واجبنا تجاه الثقافة في البحرين، فلم تكن الأزمة قد بدأت، إلا وقد وضعنا استراتيجية من أجل تخطي الصعوبات التي نشأت عن إجراءات الإغلاق ووقف التجمّعات حرصاً على سلامة جمهورنا، فانتقلنا بنشاطنا إلى الفضاء الإلكتروني مقدّمين برنامجاً مفعماً بالفعاليات ومخاطباً مختلف الفئات العمرية.
وقد نجحنا في إقامة موسم ثقافي أساسي من مواسمنا كاملاً على شبكة الإنترنت، وهو مهرجان صيف البحرين الذي جاء بشعار "أقرب عن بعد"، فكانت الأزمة فرصة لنا للاقتراب من جمهورنا بطريقة خاصة. وقد نال المهرجان دعماً منقطع النظير من مختلف الجهات، فشاركت معنا في المهرجان الذي أقيم طيلة شهر أغسطس الماضي، جهات حكومية، مؤسسات خاصة وسفارات وصل عددها إلى 16 سفارة. وها نحن اليوم، نقوم بتنظيم ملتقى للتراث الثقافي غير المادي على أعلى مستوى، مستثمرين أفضل الوسائل التكنولوجية من أجل جمع الخبراء والمتخصصين من البحرين وخارجها لمناقشة وبحث سبل تعزيز التراث غير المادي في مملكة البحرين.
- ما هو الخط الفاصل بين التراث المادي وغير المادي، فالنسيج والأزياء صنفت ضمن التراث غير المادي حسب محاور الملتقى، فهل لنا بتوضيح ذلك؟
التراث الثقافي غير المادي مصطلح حديث نسبياً، فقد كان التراث الثقافي يقتصر على المعالم التاريخية والقطع الفنية والأثرية، إلا أن ازدياد الاهتمام بالتراث الثقافي على المستوى العالمي تطلب وجود تصنيف آخر، ألا وهو ذلك التراث غير المادي والحي الذي يشمل التقاليد وأشكال التعبير الحية الموروثة من الأجداد وغيرها من المناسبات الاحتفالية والممارسات والمهارات المرتبطة بالصناعات الحرفية التقليدية. والتراث الثقافي غير المادي يعد رافداً من روافد الحفاظ على التنوع الثقافي والتبادل الحضاري ما بين الشعوب والأمم حول العالم، فكان لابد من وضع اتفاقيات خاصة بهذا التراث وتنظيم محافل ومؤتمرات خاصة به، في سعي عالمي متواصل من أجل تعزيزه وجعله أولوية لدى مختلف الدول.
قد يهمك ايضاً
هلا بنت محمد آل خليفة تشارك في الاجتماع الاستثنائي عن التراث الثقافي
الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة تشارك في اجتماع المسؤولين عن التراث الثقافي
أرسل تعليقك