بوخارست – صوت الإمارات
غالبًا عندما نذكر رومانيا، تخطر في بالنا عاصمتها بوخارست ولقبها «باريس الصغيرة». ولكن هذه البلاد القابعة في وسط أوروبا، والتي تحوم حول جبال كاربات ونهر الدانوب والبحر الأسود، تحضن مدنًا وبلدات تعيش في كواليس العصر، وتلعب دور البطولة على مسرحي التاريخ والطبيعة الخلاّبة.
صحيح أن كل الدروب في رومانيا تمر عبر بوخارست، لكن فليكن مرورك في العاصمة سريعًا، إذ تنطلقين منها نحو مدن مقاطعة ترانسلفانيا وبلداتها لتمضي إجازة في مدن أقل ما يقال فيها إنها تشبه مدن الافتراض التي نقرأ عنها في قصص الخيال.
مقاطعة ترانسلفانيا
إنها أرض الجبال الشاهقة، والقصور القوطية والكنائس المحصّنة، وبساط من القرى تستريح تحت نور قمر يحمل في ضيائه الكثير من الغموض الساكن في المخيال الاجتماعي الروماني، أبدعت مخيلة كتّاب هوليوود ومخرجيها في ترجمته أفلامًا سينمائية تروي حكاية الكونت دراكولا.
ولكن هذه المنطقة التي عادت إلى حضن رومانيا عام 1918 فيها الكثير من الجمال الذي يجعل الإجازة فيها أكثر من رائعة تحفر في الذاكرة مشاهد بانورامية خلابة حيث الأخضر يحضن تحفًا معمارية تقاطعت فيها الأنماط البيزنطية والقوطية والباروكية والعثمانية وعصر النهضة.
تحاصر ترانسلفانيا شرقًا وجنوبًا جبال كاربات المهيبة أو كما يسمونها جبال الألب الترانسلفانية. هي فردوس هواة الطبيعة الذين يمكنهم اكتشاف المعنى الحقيقي لأنهار أبوسيني Apuseni الجوفية، والانغماس في تسلق الصخور في المتنزّه الوطني بياترا غرايولوي Piatra Graiului، ومسابقة النسائم المنعشة على دراجة هوائية على سفح بوسيغي Bucegi واستكشاف ريتزاتRetezat والتجوال في هضاب فاغاراس Fagaras، أو التزلج في إحدى محطات التزلج في براهوفا Prahova.
على خطى دراكولا الافتراضي بين ترانسلفانيا ووالاشيا
كثرت الأفلام الهوليوودية، المأسوية منها والكوميدية، وآخرها كان «فندق ترانسلفانيا»Hotel Transylvania الكرتوني بجزءيه الأول والثاني عن الكونت دراكولا. ومهما يكن من إبداع في الخيال الهوليوودي، فإن «قلعة دراكولا» موجودة بالفعل مع اختلاف الاسم والوقائع والتفاصيل.
فاسم هذه القلعة «قلعة بران»، وتقع على الحدود بين ترانسلفانيا ووالاشيا Wallachia عند طريق 73 في منطقة بران التي تبعد من مدينة براشوف 30 كيلومترًا، وقد بُنيت في الأساس لأسباب اقتصادية واستراتيجية في منطقة كانت قديمًا على حدود رومانيا مع الإمبراطورية العثمانية.
وكانت تعتبر من أهم الحصون الدفاعية في وجه العثمانيين. أما اسم «قلعة دركولا» فقد جاء تيمنًا بـ «فلاد تيبشيه» الذي يعتبر بطلاً قوميًا في رومانيا لمواجهته الاحتلال العثماني وقد حكم بين عامي 1456 و1462، واشتهر بتعامله الوحشي مع المسؤولين الفاسدين واللصوص، وخصوصًا المحتلين.
ويُثار الجدل حول العلاقة غير الأكيدة بين شخصية دراكولا التي ابتكرها الكاتب الإرلندي برام ستوكر عام 1897 وفلاد تيبشيه ابن الأمير الروماني فلاد دراكولا، وهو اللقب الذي ورثه عنه، رغم أنه لا يوجد دليل على أن ستوكر كان يعرف بوجود القلعة الواقعي.
ويقال إنه في ما بعد، ساد الاعتقاد بأن فلاد تيبشيه سكن في هذه القلعة بعدما صور فيها فيلم «مقابلة مع مصاص الدماء» Interview with the Vampire The Vampire Chronicles من بطولة براد بيت، توم كروز، أنطونيو بانديراس وكريستين دانست.
تحوّلت «قلعة بران» إلى متحف مفتوح للسياح، يضم منحوتات رائعة وقطع أثاث جمعتها الملكة ماري حفيدة الملكة فيكتوريا وزوجة فرديناند الأوّل ملك رومانيا، إذ عاشت في هذه القلعة في أوائل القرن العشرين.
إذًا، لا داعي للخوف الذي تحملينه في لا وعيك، أثناء تجوالك في عالم أطلال الكونت دراكولا الافتراضي. لا تستسلمي للخوف الفطري من الغموض الذي تحويه ميثولوجيا «دراكولا»، ولا تحثّي خطاك كي ترحلي عن المتحف قبل غروب الشمس.
إنه مجرّد إبداع هوليوودي في فن الرعب. فهنا يمكنك الولوج الى المتحف بشكل فردي أو بمساعدة مرشد سياحي، من دون أن يلاحقك ظل دراكولا.
عندما تجولين في الجزء السفلي للقلعة وفي الهواء الطلق في حديقة صغيرة تعرف بـ «الحديقة الساحرة» حيث كانت الملكة ماري تتنزه وتتناول الشاي عند الغروب، ستتعرفين إلى حياة الفلاحين عبر مجسمات البيوت، الحظائر التي جمعت من مختلف أنحاء رومانيا.
تصطف على الطريق المؤدي إلى قلعة بران أكشاك الباعة الجوالين الذين يعرضون كل ما يتعلّق بالكونت دراكولا الافتراضي.
هنا تشترين قمصانًا وأكوابًا وولاعات وُسمت عليها صور دراكولا وحتى أنيابه الوهمية. إذًا كل شيء يدور حول دراكولا، وما عليك سوى الدخول في متاهته وإن افتراضًا.
سيغشوارا Sighisoara
منذ لحظة دخولك إلى هذه المدينة المحصّنة بالأسوار، سوف تشعرين بأنك وقعت أسيرة روائعها. فسيغشوارا تشعل ذاكرتك بمشاهد تبقى محفورة فيها ربما لسنوات.
دخولك إلى هذه المدينة يجعلك تشعرين منذ الخطوة الأولى بأنك ولجت في مدينة من مدن قصص الأطفال الخيالية، بشوارعها الضيّقة المتوهّجة بالبيوت الملوّنة التي تعود إلى القرن السادس عشر، وأسقفها المتدحرجة نحو المقاهي.
وإذا كنت من هواة الرعب فإنك ستجدين ضالتك في القلعة التي وُلد فيها فلاد تيبشيه والتي أصبحت ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
استقر الرومان في سيغشوارا ولم تكن حتى القرن الثاني عشر مدينة تجارية مزدهرة وإنما تطورت وتوسّعت في القرن الرابع عشر. هنا في هذه المدينة لا يمكن أن تفوّتي شرب القهوة في منزل تيبشيه الذي تحوّل إلى مقهى يقع قبالة الكنيسة ذات الهندسة الفريدة والقبة المستدّقة.
وبعد القهوة في بيت تيبشيه جولي في المواقع التاريخية للقلعة، واصعدي نحو الكنيسة القائمة على قمة هضبة، ثم عودي وانزلي إلى وسط المدينة المحصّنة حيث برج الساعة الذي شيّد عام 1280 يعلوه سقف من الخشب منقوش بشكل تدرجات ريش الطاووس وطُلي بألوانه.
يبلغ ارتفاع البرج 64 مترًا، وعلى مدار الساعة تدور ببطء التماثيل الخشبية، يمثل كل منها شخصية أسطورية يونانية - رومانية: السلام يحمل غصن الزيتون، والعدالة لديه مجموعة من المقاييس، والقانون يحمل سيفًا، والجلاد أيضًا موجود، والطبّال الذي يعلن مواقيت الساعة. كما تقف في الأعلى سبعة تماثيل يمثل كل واحد منها يومًا من أيام الأسبوع.
سينيا Siniia
في قلب واد هزيل تقع هذه البلدة الجميلة التي يقصدها هواة التسلق صيفًا والتزلج شتاء. تتميز بمناخ نقي جدًا، وبينابيع معدنية تجعلها مقصد من يريد التنعم بالاسترخاء وتنقية جسده من ملوثات المدن العصرية. وسينيا مدعومة بصخور جبال بوسيغي المهيبة تشكل مكانًا رائعًا لتمضية يوم أو أكثر من إجازتك.
فهذه البلدة هي مجموعة من البيوت الخشب الملوّنة التي اشتهرت في رومانيا في القرن التاسع عشر. سكن فيها الملك الروماني الأول كارول الأول، الذي جعل منها منتجعًا صيفيًا، بعدما بنى قصر بيليس الذي يعتبر متاهة من الممرات السرّية، وأبراج القصص الخيالية، وصالات العرض المذهلة. فهذا القصر هو من أول القصور الأوروبية التي استُعملت فيها التدفئة المركزية، بُني على النمط الجرماني في عصر النهضة.
بدأ تشييد القصر عام 1875 واستغرق بناؤه 39 عامًا، وعمل فيه 400 حرفي وآلاف العمال، وقد انتهت الأعمال منه قبل سنة من وفاة الملك كارول عام 1914، كما اهتمت الملكة إليزابيت بالهندسة الداخلية للقصر المؤلف من 160 جناحًا، وقد استعملت هذه الأجنحة في عهد تشاوتشيسكو لقيادة النظام الشيوعي.
واستقبل في هذا القصر قادة العالم مثل ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد. وفي الشتاء تعتبر مرتعاً للتزلج حيث الوصول إلى ميادين التزلج يكون عبر مصاعد التزلج.
جبال بوسيغي Bucegi
تقع جبال بوسيغي وسط رومانيا، جنوب مدينة براشوف، وتشكّل الجزء الجنوبي لسلسلة جبال كارابات. عند الشرق تكون بوسيغي منحدرًا حادًا يتجه نحو وادي براهوفا الأكثر شعبية بين السياح.
فيما على ارتفاع بسيط يقع سفح بوسيغي الذي نحتت الرياح والأمطار صخره فحوّلته متحفاً مفتوحاً على السماء يعرض منحوتات تخطف الأنفاس بدقّتها. ويحد جبال بوسيغي وادي براهوفا، منطقة التزلج الأكثر شهرة في رومانيا. ومنذ عام 1935 تحوّل جزء من جبال بوسيغي إلى محمية طبيعية.