رأس الخيمة ـ صوت الإمارات
يعاني تدريس الفلسفة في العالم العربي أزمة حقيقية، تفاقمت بشكل جلي في العقدين الأخيرين، ولعل أهمها ما يتعلق بالتجاهل المقصود من قبل الدوائر الأكاديمية لمركزية الفلسفة، لقدرتها العميقة على التنوير والانفتاح، مما أدى إلى تراجع الاهتمام بتدريسها في الوقت الذي يحتاج فيه العرب إلى تعميم الفكر الفلسفي، وتطوير مناهجه، من أجل إحداث ثورة ثقافية منشودة، وتغيير الذهنية، والانتقال بها من مرحلة الإحيائية إلى الإبداعية.
ويقدم الكتاب البحثي الجديد «حال تدريس الفلسفة في العالم العربي» رصداً شاملاً علمياً لأحوال تدريس الفلسفة ومعوقاتها في الثانويات والجامعات العربية، وأهم العراقيل التي تقف حائلاً دون تعميم روح الفلسفة في السياسات التعليمية.
شارك في الكتاب باحثون عرب من أقطار عربية وهم: أحمد المغربي، بكري خليل، جويدة جاري، حسن العبيدي، ريتا فرج، الزواوي بغورة، الزهراء الطشم، زهير الخويلدي، سيدي محمد ولد يب، صالح مصباح، صلاح رشيد، عفيف عثمان، غيضان السيّد علي، فهد سليمان الشقيران، ماجدة عمر، مأمون كيوان، وناجح شاهين وآخرون.
جاء الكتاب في أربعة أقسام؛ الأول: يشمل أفكاراً حول أهمية الفلسفة والتفلسف مع قراءات في نصوص عن ضرورة تدريس الفلسفة، كما جاءت عند «جاك دريدا»، مع اختيار نماذج من تقارير وكتب صادرة عن «اليونيسكو» التي أولت اهتماماً ملحوظاً بالفلسفة منذ العام 1946، ونشرت عدداً من الكتب المعنية بأحوال الدرس الفلسفي، انطلاقاً من شعار معرفي: «الحق في التفلسف».
ويشكل القسم الثاني العمود الفقري للكتاب، إذ يغطي أحوال تدريس الفلسفة في الأقطار العربية، مع قراءة لمضمون مقررات الفلسفة في الثانويات، والجامعات العربية، مع تبيان الصعوبات التي تواجه الدرس الفلسفي، وسط المحاولات الدؤوبة لإضعاف مناهج تعليم الفلسفة، وتقليص حضورها مقابل إطلاق العنان للعلوم التطبيقية والتقنية.
وتضمن القسم الثالث، عوائق ومشكلات تدريس الفلسفة، ضمن محورين مختلفين، عالجا المعوقات العامة المشتركة التي ساهمت في إضعاف درس الفلسفة، نتيجة تقدم تيارات، ونزعات فلسفية، وبعض المذاهب الفلسفية على حساب جوهر «حب الحكمة» والغوص في مشكلات الوجود والمعنى، التي عبر عنها الفيلسوف «إدموند هوسرل» بقوله: «إن الوضعية قد قطعت رأس الفلسفة» مع استحضار للتجارب العربية التي تناولت «ظاهرة انحدار الدرس الفلسفي»؟
وفي القسم الأخير، تم انتقاء مجموعة من النصوص لمفكرين وباحثين وأكاديميين عرب، انشغلوا بالهمِّ المعرفي الفلسفي. وخلص الباحثون إلى أن حاجة المنطقة العربية الأكيدة إلى الفلسفة وتدريسها، وتعميم تعليمها، وتطوير مناهجها، لنتمكن من فهم هذا الانسداد التاريخي، في أزمنة تتصارع فيها الجهالات، ويسيطر العنف الديني والسياسي، مع التأكيد على الحق العربي في دراسة الفلسفة، والاستفادة من التجارب التعليمية الناجحة في الدول المتقدمة.