مدارس قرآنية

في خطوة لتنظيم قطاع التعليم الديني الأهلي وفقا لمقربين من السلطة، وحرب على 'المحاظر' والقرآن بحسب مسؤولين عن التعليم الأهلي، جاءت التفسيرات لقرار السلطات الموريتانية إغلاق 'معهد ورش' وعدد من المحاظر (المدارس الدينية التقليدية) التابعة له في ولايتي الحوضين بأقصى الجنوب الشرقي الموريتاني.

وذهب محللون إلى أن القرار -الذي شمل تفتيش مركز تكوين العلماء في نواكشوط الذي يرأسه العالم الموريتاني الشيخ محمد الحسن ولد الددو- محاولة للنيل من حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) المعارض، وبداية مواجهة مع التيار الإسلامي.

ورغم سماح الحكومة بعودة الدراسة في بعض المحاظر، فإن معهد ورش وعددا كبيرا من محاظره لا يزال مغلقا، ولم تعط السلطة أي تفسير لهذا التراجع الجزئي كما لم تقدم أي مبررات لقرار الإغلاق أصلا.

مصدر مقرب من الحكومة -طلب عدم ذكر اسمه- قال للجزيرة نت، إن إغلاق المعهد والمحاظر التابعة له جاء بسبب عدم ترخيص نشاطها، وإن تفتيش مركز تكوين العلماء يدخل في إطار عملية تقوم بها وزارة الشؤون الإسلامية بهدف معرفة مدى مطابقة مقرراتها التعليمية للمنهج الموريتاني، ومدى أهلية طاقمها للتدريس.

وأشار المصدر القريب من الملف إلى أن بعض الدوائر تشك في طرق تمويل بعض هذه الهيئات، وتخشى من أن تكون مناهجها سببا في انحراف طلابها وجنوحهم للغلو والتطرف. لكن شيخ إحدى المحاظر التي تم إغلاقها نفى تلك التهم جملة وتفصيلا، واعتبر تلك التفسيرات مجرد ذرائع لعمل ممنهج ضد هذه المؤسسات.

وقال الشيخ -الذي طلب عدم كشف هويته لئلا يسبب تصريحه تعقيدات في معالجة الملف- إن السلطات الإدارية حين أبلغتهم بإغلاق المحظرة لم تبرر ذلك بعدم الترخيص أو مخالفة المناهج، وإنما أخبرتهم بأنها 'تنفذ تعليمات من جهات عليا'، وهو ما اعتبره دليلا على أن القرار سياسي ولا علاقة له بالإجراءات التنظيمية.

وأوضحت إدارة معهد ورش، أن النظام الأساسي للمعهد الذي تمَّ الترخيص له عام 2012 ينص على أنه يحق له فتح فروع في أي نقطة من موريتانيا، وأكدت أن المعهد 'أقيم بجهود ذاتية موريتانية، ولا علاقة له بأي جمعية خيرية، أو جهة خارجية'.

بدوره، أكد مركز تكوين العلماء أن منهجه التعليمي 'لا يختلف عن المنهج المحظري التقليدي، حيث يدرس المتون المعروفة في الفقه المالكي واللغة العربية والأصول والحديث والتفسير، على يد أساتذة موريتانيين أغلبهم شيوخ محاظر وعلماء'.

وقال نائب المدير العام للمركز الشيخ محفوظ ولد إبراهيم فال، في حديث للجزيرة نت، إن 'فكرة المركز تقوم على المحافظة على المحظرة الموريتانية، ونعتبر أنها ينبغي أن تواكب زمنها وتستفيد من الأساليب الحديثة في تنظيم الوقت وضبط جداول الأساتذة والطلاب وتقسيم المقررات الدراسية وفقا للفترة الزمنية المحددة لدراستها'.

وأكد الشيخ محفوظ أن بعثة تفتيش من وزارة الشؤون الإسلامية 'زارت المركز وطلبت معلومات عن الأساتذة والطلاب والمنهج وجهات التمويل، وقدمنا لها كل المعلومات، لأنه ليس لدينا ما نخفيه، فالمركز مرخص من طرف الوزارة ومناهجه معروفة، وليس فيها ما يخالف المنهج المحظري التقليدي'.

وطالب المتحدث بإبعاد الهيئات العلمية والدينية عن التجاذبات السياسية، ومساعدتها على القيام بدورها في تعليم الناس وتبصيرهم بأمور دينهم، معتبرا ذلك أنجع وسيلة لمواجهة الغلو والتطرف والانحراف.

ولا يزال الجدل بشأن قرار إغلاق المحاظر يتفاعل عند الرأي العام الموريتاني، حيث نددت به بعض أحزاب المعارضة وعدد من منظمات المجتمع المدني، واعتبرته غير مبرر ويستهدف 'المحاظر' التي ظلت أحد العناوين الأصيلة للمجتمع الموريتاني.

منسوب الجدل ارتفع إثر تصريحات للشيخ محمد الحسن ولد الددو، ندد فيها بإغلاق هذه المحاظر، معتبرا أنها 'هي الثابتة وما سواها هو الزائل'. وقال إن 'شرعية المعاهد والمراكز والمحاظر مرتبطة بالوحي ولا تحتاج إلى ترخيص'.

لكن رابطة العلماء الموريتانيين -المقربة من السلطة- استنكرت تصريحات رئيس مركز تكوين العلماء في نواكشوط دون أن تسميه، ودعت 'القائمين على المعاهد الدينية إلى الالتزام بالضوابط القانونية والإدارية التي وضعت من أجل حماية العملية التعليمية، والقائمين عليها حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله'، بحسب نص بيان الرابطة.