الإسكندرية – أحمد خالد
قام مركز دراسات الكتابات والخطوط في مكتبة الإسكندريّة بتوثيق كتابات ونقوش بلدة القصر, في الصَّحراء الغربيَّة, في إطار توثيق تاريخ المناطق المهمَّة في تاريخ وحضارة مصر في كلِّ عصورها. وذكرت مكتبة الإسكندرية في بيان لها أنه رغم بُعد المسافة وعدم وجود طرق مباشرة لبلدة القصر؛ فقد حرص المركز على توثيق النّقوش في أماكنها الطبيعيّة في البلدة نفسها وبأعلى درجات الاحترافيَّة من قِبَل مصَوِّر محترف. وتمّ تشكيل فريق بحثيّ بقيادة الدّكتور سعد شهاب المتخصِّص في الكتابات والعمارة التقليديَّة في صحراء مصر الغربية، لإنقاذ النقوش التي اندثر بعضها، وسرق البعض الآخر . وقد قامت وزارة الآثار بجهود كبيرة للحفاظ على تلك الثَّروة الثقافيّة التي تمثِّل وثيقة تاريخيَّة مهمَّة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأهل تلك المنطقة والعائلات العربيَّة التي استقرَّت بها، وأهم الصناعات بها، وعرض أهم الوظائف السياسية والشخصيات التاريخية التي استقرّت في بلدة القصر. وتقع بلدة القصر في منتصف الصحراء الغربية على بعد 530 كيلومترًا إلى الجنوب الغربيّ للقاهرة، وإلى الشمال الغربي من مدينة موط عاصمة الواحات الداخلة على بعد 35 كيلو مترًا منها. وتعتبر بلدة القصر أول الأماكن التي استقبلت القبائل الإسلامية عند وصولها الواحات سنة 50 هجرية وبها بقايا مسجد من القرن الأول الهجري؛ وازدهرت في العصر الأيوبي، وبها قصر الحاكم ومأذنة وبقايا مسجد. وتتميز شوارع القرية بأنها جميعًا مسقوفة بالأخشاب وجذوع النخل، وقد هيَّأ لها موقعها أهميَّة تاريخيَّة منذ القدم؛ نظرًا لكونها نقطة التقاء لعدة دروب قديمة، وكانت بمثابة الطرق الخاصّة بالقوافل التجارية وللغزاة والفاتحين خصوصًا إلى بلاد المغرب العربي. وتمثِّل كتابات بلدة القصر مدرسة خاصة في الخطّ العربي وفي خط الثلث الجليّ تحديدًا، واستطاعت تلك المدرسة الفنية أن تخلق لنفسها نمطًا محددًا من المهمّ توثيقه؛ لأنه يعطي صورة للأنماط الفنية لكتابات الأطراف التي سادت في مصر خلال العصر العثماني. ووثَّق فريق مركز الخطوط ما يزيد على 50 عتبة خشبية في مدخل كل منزل، ومحفور على كل عتبة منزل كتابة بارزة بالخشب باسم صاحب الدار، وتاريخ إنشاء المنزل واسم الصانع الذي صنع هذه العتبة، ويُذكر أن عائلة علام النجار كانت أشهر العائلات في صناعة العتب، وأقدم عتبة في القرية يرجع تاريخها إلى عام 914هجرية؛ في منزل محمد خطب، وصنعها المعلم لطف الله. ويعتبر بيت القاضي عمر بن القاص سباعي العثماني الواحي القصري من أضخم بيوت القرية، وعدد أدواره أربعة أدوار وقد بني في عام 1113 هجرية. وفي شارع البرج في القرية يوجد منزل وطاحونة حسانين، وما زالت الطاحونة قائمة على حالها، واستطاع فريق التوثيق في المركز توثيق الكتابات المنزل والطاحونة بالكامل، بجانب توثيقه لكتابات المحكمة، التي كانت هذه تستخدم كمدرسة. كما كانت قرية القصر مقرًّا لكثير من الأمراء في العصر العثمانيّ ويؤكِّد ذلك ما عثر عليه من نصوص إنشائيَّة على أعتاب بعض أبواب المنشآت. ويشير الباحث محمد حسن؛ أخصائيّ بحوث في مركز الخطوط إلى أنه تم إدراج نقوش بلدة القصر بالكامل على موقع المكتبة الرقمية للنقوش والخطوط، على أن يتم إخراج كتاب موسوعي للدكتور سعد شهاب يضم النقوش كاملة والتحليل الفني والتاريخي لها خلال النصف الأول من عام 2014م. وأضاف أحمد منصور؛ نائب مدير مركز الخطوط أن توثيق نقوش بلدة القصر حدثًا مهمًّا في تاريخ نشر الكتابات نظرًا لندرة مجموعة النقوش الموجودة بها والتي تتيح بحسب رؤيته نظرة مختلفة على حياة الصحاري تتَّسم بالاتِّساع وعدم الاقتصار على كتب التاريخ والاجتماع، فالنظرة التي تلقيها النقوش كوثيقة تاريخية على القضايا الشرعية والممارسات المتعلقة بالتملك وحياة الناس وتصور مدى المرونة التي اتسمت بها الحياة في بلدة القصر. وأكد أن هذا العمل بمركز الخطوط لم يكن ليتم بتلك الصورة المشرفة لولا التعاون الصادق من وزارة الآثار، التي سمحت بالتصوير والتوثيق لفريق مركز الخطوط، وجميع مفتشي الآثار في المنطقة الذين قدموا يد العون للمشروع.