أبوظبي ـ صوت الإمارات
أكد كبير المفتين مدير إدارة الإفتاء، الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد، أن من يذبح أضحيته خارج المقاصب المرخصة التابعة للبلديات آثم شرعاً، إلا أن أضحيته صحيحة، ولا ينقص من أجره شيء، مطالباً المضحين بذبح أضاحيهم في المقاصب المرخصة، لتحري سلامة الذبيحة من العيوب والأمراض.
وأوضح الحداد، أن الذبح في المقاصب لا ينقص من أجر الأضحية شيئاً، لأنه يعتبر بمثابة توكيل بالذبح، والتوكيل جائز بالاتفاق مادام أن الذابح مسلم، ويُحسن الذبح، وقد يكون الذبح في المقاصب أفضل، لما فيه من تحرٍّ كافٍ لسلامة الذبيحة من العيوب والأمراض، لما تزخر به المقاصب من أطباء بيطريين، يعنون بسلامة الذبيحة، كما أن الذبح في البيوت ممنوع قانوناً، لذا يصبح الالتزام بالنظام أمراً حتمياً.
وشدد على ضرورة الامتناع عن ممارسات الذبح المخالف، طالما يخالف النظام المعمول به في الدولة، مؤكداً أن الالتزام بالقانون يحقق مصلحة الناس، ولا تجوز مخالفته شرعاً، إلا أن الأضحية تكون صحيحة من الناحية الشرعية، غير أن صاحبها آثم بمخالفة النظام العام، وهو معرض للإجراءات القانونية.
وعرف الحداد الأضحية بأنها «ما يذبح يوم العيد وأيام التشريق من بهيمة الأنعام بقصد القربة لله تعالى بشروطها المعروفة من حيث السن والسلامة من العيوب، إذ إنه من أجل الطاعات والقربات إلى الله في هذا اليوم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تقرب إلى الله تعالى يوم النحر بشيء هو أحب إلى الله تعالى من إهراق الدم، وأنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وأن الدم ليقع من الله تعالى بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً)، وذلك لأن فيها إحياءً لشعائر الله تعالى، لأنها تجدد معاني الحنيفيَّة، وهي ملة إبراهيم عليه السلام الذي سمانا مسلمين، ونحن أولى الناس به، وهذه النسك كلها من معالم الدين،
وقد نوه الله تعالى بفضلها في كتابه الحكيم، في قوله سبحانه: (وَالبُدْنَ جَعَلنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)، وقال سبحانه: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله، حينما سئل عن هذه الأضاحي؟ قال: (سنة أبيكم إبراهيم)، قيل: فما لنا منها؟ قال: (بكل شعرة حسنة)، قيل: (يا رسول الله فالصوف؟)، قال: (في كل شعرة من الصوف حسنة)».
وتابع الحداد «ينبغي على المسلم أن يتقرب بالأضحية إلى ربه سبحانه، ولا يبخل فيها مادام قادراً مستطيعاً، كونها سنة مؤكدة، وقيل واجبة على المستطيع الموسر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من وجد سعة لأن يضحي فلم يضحِّ، فلا يحضر مصلانا)، ثم إنها توسعة على النفس والعيال في يوم العيد وأيام التشريق، التي هي أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى، وهي توسعة على المسلمين، فإن من حقهم على المياسير أن يَسعدوا ويأنسوا في العيد، لذلك كان إطعامهم منها واجباً عند كثير من أهل العلم لقوله تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، وقوله سبحانه: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)».
وأضاف: «لا تجزئ الأضحية إلا إذا كانت من بهيمة الأنعام المتمثلة في الإبل والبقر، ومثلها الجواميس، والغنم من ماعز أو ضأن، فلا تجزئ من الطيور ولا من غيرها مما يحل أكله من الذبائح، ولو كانت أنفس وأغلى سعراً، لأن النص وارد في بهيمة الأنعام خاصة، ولأنها الميسورة لكل الناس، والامتنان بها أكثر، ولحمها أنفع وأطيب».
وقال الحداد «شرط بهيمة الأنعام التي تجزئ في الأضاحي أن تكون في السِّن المجزئة، فمن الضأن أن يكون عمرها ستة أشهر فأكثر، بشرط أن يكون قد جذع – أي سقطت ثنايا اللبن - ومن الماعز أن تكون سنة فأكثر، ومن البقر أو الجواميس أن تكون سنتين فأكثر، ومن الإبل أن تكون خمس سنوات فأكثر، لورود النص بتحديد السن لكل نوع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)، ولأن ما دون هذه السنين لا تحقق غرضاً كبيراً من التوسعة على الناس».
ومن شروط الأضحية أيضاً ذكر الحداد، أن «تكون سليمة من العيوب، فلا تكون عوراء، ولا عرجاء، ولا هتماء، ولا عجفاء، لحديث (أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البيِّن عورُها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ظِلعها، والكسير التي لا تَنقي) أي لا مخ لها لهزالها، كل ذلك لأن القصد منها التقرب إلى الله تعالى بأطيب الصدقات، لا أن يعمد إلى ما لا يرغب فيها بنفسه فيتقرب به، فقد قال الله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)، وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)».
وأضاف أنه «من الشروط أيضاً أن تكون في وقت الأضاحي، ابتداءً من عقب صلاة العيد بعد الإشراق، وانتهاء بغروب شمس آخر أيام التشريق، فلا تجزئ قبله ولا بعده، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، فقال: «من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة، فتلك شاة لحم»، أي ليست أضحية.
وأشار الحداد إلى أنه «من سنن الأضحية أن يشهدها الإنسان بنفسه إن كان يحسن ويقدر، أو وكيله قريباً كان أو بعيداً، إحياءً لسنة الخليل إبراهيم عليه السلام، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يذبح بيده، كما روى جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بكبشين أملحين أقرنين عظيمين موجوءين – أي مخصيّين - فأضجع أحدهما، وقال: (بسم الله، والله أكبر، اللهم عن محمد، وآل محمد، ثم أضجع الآخر، وقال: بسم الله، والله أكبر، اللهم عن محمد، وأمته من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ، وقال لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها: يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك؛ فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتِه، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، قيل: يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة، فأهلٌ ذلك أنتم، أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة)».
ولفت إلى أن «من سنن الأضحية أن يأكل الإنسان منها ولو قليلاً، عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يأكل من أضحيته، ولو من كبدها، وقد قال الله تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) والأمر للندب لا للوجوب، وقيل للإباحة، ومن السنن أيضاً أن يتصدق ببعضها إن لم تكن منذورة، فإن كانت منذورة - أي كان قد نذر لله أن يضحي - فيتصدق بها جميعاً، لأن النذر يخرجها عن ملكه إلى ملك الفقراء خصوصاً، فإن لم تكن منذورة تصدق بما شاء منها قليلاً أو كثيراً، وأهدى بعضاً منها قليلاً أو كثيراً للجيران والأقارب، وذلك عملاً بقوله تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)».