ماريا خوري

أكَّدتْ فعالياتٌ وطنيةٌ نجاحَ المملكةِ في العبورِ بنزلاء مراكزِ الإصلاحِ والتأهيل إلى بر الأمانِ في ظل الظروفِ الصحية التي تشهدُها المملكةُ بسبب فيروس كورونا، إذ أشاروا إلى أن اتخاذَ الإجراءاتِ الاحترازيةِ في مراكزِ الإصلاحِ والتأهيل ومراكز التوقيف سواء المكالمات المرئية للنزلاء بعد الوقف المؤقت للزيارات حفاظًا على صحةِ وسلامة النزلاء وذويهم، وتفعيل المحاكمات عن بعد، جميعها من المبادرات التي تعدُّ شاهدًا على نجاحِ تجربةِ البحرين في التعاملِ مع النزلاء؛ لأنها تحدُّ من الاحتكاك والاختلاطِ الذي يؤدي إلى تفشي وانتشارِ الجائحة.

وفى رصد لـ«أخبار الخليج» بلغَ عددُ المستفيدين من المراسيمِ الملكية للعفو عن النزلاء بمراكز الإصلاح والتأهيل والمحكومين المشمولين بتطبيق التدابير البديلة حوالي 1960 نزيلا، منذ بدء أزمة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، وفى نفس الوقت زادت أعمال خدمة المجتمع للمحكوم عليهم بعقوبات بديلة، بجدول جهات العمل في خدمة المجتمع وأنواع الأعمال التي تمارس فيها، فقد بلغ عدد الأعمال 139 نوعًا، لتصل بذلك الطاقة الاستيعابية إلى أكثر من 920 فردًا، وذلك تجسيدًا لحرص المملكة على تعزيز ثقافة التسامح وتعزيز روابط التآلف والتآخي بين كل أفراد المجتمع وفتح باب أمل جديد أمام المحكوم عليهم لإدماجهم في المجتمع.

وتتواصل كلٌّ من النيابة العامة ووزارة الداخلية وتقوم بين آن وآخر بالتنسيق فيما بينهما بمراجعة ودراسة أوضاع وظروف المحكومين نزلاء مؤسسة الإصلاح والتأهيل، والنظر في مدى تحقق الضوابط وتوافر الشروط المقررة بقانون العقوبات البديلة للاستفادة من أحكامه، وبناء على تلك الدراسة يتم تحديد المستفيدين من القانون ويجوز استبدال العقوبات البديلة المناسبة بعقوباتهم السالبة للحرية، ومن ثم سيكون هناك مستقبلا مستفيدون من أحكام القانون، ويتحدد عددهم بما تسفر عنه كل دراسة أوضاع وظروف المحكوم عليهم.كما وضعت كل من وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف آلية للمتابعة المستمرة، والتنسيق المتواصل مع النيابة العامة ووزارة الداخلية، لضمان وجود أعمال في خدمة المجتمع وبرامج التأهيل والتدريب تغطي العقوبات البديلة المحكوم بها، إذ لم يكن لجائحة كورونا تأثير سلبي على تطبيق القانون، ويجري تطبيق القانون بشكل طبيعي رغم الظروف الراهنة، ويتم تنفيذ العقوبات البديلة بما في ذلك العمل في خدمة المجتمع مع مراعاة الإجراءات الصحية والتدابير الاحترازية التي فرضتها الجهات المعنية بالمملكة لمواجهة الجائحة.

خطوة حضارية

وأكدت الفعاليات الوطنية أن المملكة اتخذت خطوات حضارية لتعزيز حقوق الإنسان وتعزيز استقرار المجتمع من خلال العمل على تأهيل المحكومين بغية إدماجهم في المجتمع، لافتين إلى أن هذه المبادرات قطعت الطريق أمام تجار الفتن على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين فشلت دعواتهم التحريضية ضد المملكة في هذا الشأن.وأشارت ماريا خوري رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن العالم مستمر في اتخاذ إجراءات احترازية من أجل منع انتشار كوفيد 19 ولقد اتخذت البحرين العديد من الإجراءات وأصدرت القرارات الواجبة التطبيق على أعلى المستويات وهي موضع احترام وتقدير، بما يؤكد أن مملكة البحرين حريصة أشد الحرص على الصحة العامة بصفة خاصة وحقوق الإنسان بصفة عامة وكلها دون استثناء وفق المعايير الدولية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية.

وأضافت أن من المواضيع التي لاقت اهتماما واسعا وكبيرا هو الإجراءات الاحترازية في مراكز الإصلاح والتأهيل ومراكز التوقيف بعد أن اتخذت الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل تدابير كثيرة لضمان بيئة مناسبة للحد من انتشار المرض بين النزلاء وهي أيضا وفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها وقد تكون سرعة اتخاذها أسهم كثيرا في التعامل الإيجابي مع الجائحة، مؤكدة أن هذه التدابير بدأت بشكل سريع وإنساني منذ أن صدر العفو من جلالة الملك عن 901 نزيل والتوسع في تطبيق العقوبات البديلة لأكبر عدد من النزلاء بالإضافة إلى كون العفو هو خطوة إنسانية ودعوة إلى الاندماج في المجتمع فهو يأتي أيضا كخطوة مهمة واستثنائية في محاربة كوفيد 19 ما دام الإفراج وتطبيق العقوبات البديلة لا يمثل خطرا على أمن وسلامة المجتمع بل على العكس إن العفو والإفراج عن أعداد كبيرة يعدُّ إيجابيا للنزلاء وعلى الموظفين والعاملين وأفراد الشرطة الذين يشرفون عليهم على حد سواء وقالت: «لا بد من تثمين العفو من جلالة الملك الذي صدر بشأن الإفراج بالعفو عن عدد 154 نزيلا، الذين استوفوا شروط العفو بمناسبة الاحتفال بعيد الفطر المبارك 2020 وهي خطوات ثابتة، إنسانية، حقوقية ونهج حكيم». 

وأضافت أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تعمل من قرب وبصفة مستمرة مع الجهات المعنية لمراقبة التطور الحاصل في المراكز وذلك وفقا للصلاحية الممنوحة للمؤسسة حسب قانون إنشائها، وتراقب الالتزام بتنفيذ وتطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان من حيث توفير الرعاية الصحية والإجراءات الصحية للنزلاء الوقائية والعلاجية، إذ تم استحداث خدمة تقديم الاستشارة الطبية عن بعد وذلك حفاظا على صحة النزلاء الذين هم بحاجة إلى علاج أو وضعهم الصحي يستدعي استشارة طبية خارج عيادات مراكز الإصلاح والتأهيل، وفي الربع الأول من 2020 تم استحداث المباني والعنابر الجديدة في سجن جو وتجهيزها على النحو الذي يلاءم ويحافظ على البيئة الصحية.

وأشارت إلى أنه بالرغم من تعليق الزيارات حفاظا على صحة الجميع وفي مبادرة إنسانية تحفظ حق النزيل في التواصل مع ذويه تم استحداث خاصية الاتصال المرئي الذي تأمل المؤسسة أن يستمر حتى بعد انحسار الجائحة، بالإضافة إلى خطوة تطبيق المحاكمة عن بعد والتي تأتي متوافقة ومكملة لجميع إجراءات مملكة البحرين الاحترازية المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا «كوفيد 19»، حفاظا على صحة وسلامة جميع المتقاضين والأفراد، وبما يعزز من مقتضيات العدالة الجنائية.

وقالت خوري: «من منظور حقوقي فإن صدور التعديلات الجديدة على قانون الإجراءات الجنائية من شأنها وضع حلول أكثر يسرا لإجراءات التحقيق والمحاكمة لجميع أطراف الدعوى الجنائية، عبر الاستفادة من الوسائل التقنية المتقدمة، مع عدم الإخلال بمقتضيات المحاكمة العادلة ودون مساس بحقوق الدفاع أو بالضمانات المقررة قانونا، وبما يحقق متطلبات قانون الإجراءات الجنائية»، مضيفة أنه لا بد من التنويه بأن التعديل الجديد على قانون الإجراءات الجنائية، وتطبيق فكرة العمل عن بعد، يأتي متوافقا مع ضمانات المحاكمة العادلة ومقوماتها، والمتمثلة في علنية المحاكمة وتدوينها، والحق في الاستعانة بمحام والذي يقع له حق الاختيار في حضور قاعة المحكمة المنعقدة في المنطقة الدبلوماسية أو تلك المنعقدة عن بعد في منطقة جو حسب اختياره، وضمان مبدأ المواجهة، وسماع الشهود ومناقشتهم، وحضور عضو النيابة الذي سيتولى ضبط كل الإجراءات اللازمة لكفالة حسن سير المحاكمة وانتظامها في ذلك المكان.

تجربة فريدة

ومن جانبه قال المحامي عبدالرحمن غنيم: «إن المشرع البحريني كان سباقا عن غيره من الدول الأخرى في إصدار قانون بتشريع يستبدل العقوبات التقليدية بالحبس أو السجن إلى تشغيل المحكوم عليهم بأعمال مدنية يخدمون بها أنفسهم ووطنهم، وكان لجلالة الملك والسلطات القضائية والتنفيذية السبق في إعمال هذا القانون وتنفيذ ما جاء به لتحقيق أهدافه بما يخدم الوطن وأبناءه، إذ صدرت التوجيهات الملكية بإعمال أحكام القانون، وبناء عليها قامت السلطة القضائية ممثلة في قضاة تنفيذ العقاب والنيابة العامة ووزارة الداخلية بتنفيذ هذه التوجيهات والإفراج عن عدد ما يقرب من 2000 من المحكومين سواء بعفو ملكي أو استبدال عقوبة في توقيت بالغ الأهمية من الناحية الإنسانية والصحية خاصة مع انتشار فيروس كورونا إذ كانت آلية قانونية للحد من أعداد المحكومين في قضايا جنائية بتخفيف أعداد المودعين في مراكز الإصلاح والتأهل». 

كما أن تتدخل المشرع الجنائي بإصدار القانون رقم 7 لسنة 2020 الذي نص في إحدى مواده على جواز إجراءات المحاكمة الجنائية باستخدام وسائل التواصل الإلكترونية عبر الأثير لينظم آلية إجراءات المحاكمة الجنائية عن بعد في ظل الظروف التي تستدعي ذلك، كان لها دور رائد وتجربة فريدة في مكافحة تفشي فيروس كورونا وحماية المتهمين والقضاة وأعضاء النيابة والمحامين والموظفين. ونوه بالإجراءات الصحية التي اتبعتها وزارة الداخلية منذ ظهور فيروس كورونا مع النزلاء والموقوفين والتي كانت وفق المعايير الدولية وكان لها الدور الفعال في عدم تفشي المرض بينهم وهو ما يؤكد أن كل السلطات في الدولة من تشريعية وتنفيذية وقضائية لعبت دورا بارزًا في مواجهة الأزمة وكان نتيجة كل هذا التفاني الوطني هو تجاوز مرحلة الخطر مع هذا الوباء.

نموذج عالمي

كما أشار الشيخ صلاح بن يوسف الجودر عضو مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي أن مملكة البحرين قدمت نموذجا عالميا للتعامل مع كل من يعيش على أرضها في ظل الظروف الجائحة، وهو النموذج الذي وضعه المشروع الإصلاحي الذي التزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أنه منذ بداية الوضع الاستثنائي الذي نمر به راعت المملكة الحفاظ على أرواح الجميع وكان لنزلاء الإصلاح والتأهيل وضعٌ خاص من الرعاية والاهتمام سواء بالتوسع في تطبيق قانون العقوبات البديلة أو بمراسيم العفو الملكي، بالإضافة إلى التعديلات الجنائية التي وفرت محاكمات مرئية واتصالات مرئية للمحكومين حرصا على سلامتهم في وقت يمنع فيه الاختلاط.

وأكد أن الإجراءات التي اتخذتها البحرين أكدت أسبقيتها على مستوى المنطقة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وهو ما تعكسه الإشادات العالمية بالمملكة نتيجة النجاح الكبير الذي حققه مردود التطبيق الفعال للقانون وما له من أثر إيجابي ومهم، وكانت توجيهات وزير الداخلية دليلا على نجاح التوسع في تطبيقه، مضيفا أن حرص وزارة الداخلية على استفادة أكبر عدد ممكن من المحكومين عبر تطبيق العقوبات البديلة يزيد من الوحدة واللحمة الوطنية والرعاية خاصة في هذه الظروف التي نمر بها الآن ليس في البحرين فقط بل في العالم وهذه تحدٍ إنساني وصحي بالدرجة الأولى، فلم يبادر أحدٌ من دول العالم بمثل تلك الخطوات التي تستهدف العنصر البشري.

وقال النائب محمد السيسي إن استفادة 1960 نزيلا من العفو الملكي والعقوبات البديلة يعكس حرص المملكة على تعزيز مكانة الإنسان واحترامه، وخلق روح المواطنة للمساهمة في حفظ الأمن والسلم الاجتماعي ويعبر عن خطوات حضارية تعمل على تعزيز حقوق الإنسان وتوطيد العلاقات الأسرية التي تعزز من استقرار المجتمع فضلا عن كونها رافدًا مهمًا من روافد حماية وتعزيز حقوق الإنسان وترتكز على تأهيل المحكومين بغية إدماجهم في المجتمع. كما أشار إلى أن التوسع والتطبيق الفعال لقانون العقوبات البديلة في ذلك التوقيت يعكس تأكيد أن تكون السياسة العقابية معاصرة وتتبنى اتجاهًا إصلاحيًّا، عبر مجموعة من الإجراءات التي يتخذها المجتمع لمعاقبة المخالفين لقوانينه، بهدف إصلاحهم وتطبيق العقوبة الرادعة دون تنفيذها داخل أماكن محددة «السجون» بما يعزلهم عن المجتمع، خصوصًا إذا كانت خطورتهم الإجرامية بسيطة وجرائمهم بسيطة.

تعاون مثمر

كما أشاد النائب السابق خالد الشاعر نائب رئيس المؤسسة الوطنية للحقوق الإنسان بالتوسع المطرد في تطبيق العقوبات البديلة، وذلك تنفيذا لتوجيهات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، الذي شمل بعطفه الكبير وشعوره الأبوي بالعفو عن عدد من السجناء والموقوفين، في خطوة تجسد الغايات الإصلاحية التي تعيشها مملكة البحرين في عهد جلالته الزاهر.

وأشار الشاعر إلى أن تطبيق العقوبات البديلة وكذلك العفو الملكي السامي، يأتي متسقا مع المبادئ الإنسانية السامية في إشاعة مبادئ وقيم التسامح والسلام، وينعكس على استقرار الأسر عبر توفير البرامج التأهيلية التي تتناسب مع الظروف الشخصية للمحكوم عليهم، بغية إصلاحهم، وتوفير بيئة إيجابية لهم مع محيطهم الاجتماعي، ومراعاة للأوضاع الإنسانية لهم ولأسرهم، كما في ذلك توجيه لإمكانياتهم وقدراتهم، عبر إشراكهم في البناء والتطوير الذي يشهده الوطن في ظل الحكم الرشيد لجلالة الملك.وعلى صعيد آخر، أثنى الشاعر على المستوى الرفيع من التعاون بين وزارة الداخلية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، في تفعيل المحاكمات والتوكيلات عن بعد، حفاظا على السجناء من الاختلاط، وضمان سلامتهم وصحتهم، خصوصا في ظل الظروف الراهنة من انتشار جائحة كورونا «كوفيد 19»، وما يستلزم من اتباع للإجراءات الصحية والوقائية التي تؤكدها الجهات المعنية.

وقد يهمك أيضا" :

رئيسة الوطنية لحقوق الإنسان تشارك في ندوة حول تأثير فيروس كورونا

"حقوق الإنسان" بـ" الشورى" البحريني تكشف ملامح قانون العدالة الإصلاحية