الدكتور هاني جهشان

أكد الدكتور هاني جهشان، مستشار الطب الشرعي والخبير لدى الأمم المتحدة في مواجهة العنف، أن نبش النفايات من قبل الأطفال انتهاك صارخ لحقوقهم، موضحًا أن قيام والدي الطفل أو أحدهما بإرغام أو بالسماح لأطفاله بنبش النفايات، يشكل مجازفة بتعريضهم للإصابات والأمراض، ويبعدهم عن التعليم ويعرضهم لمخاطر الاستغلال الجنسي والجسدي، ولقد نصت المادة (289) من قانون العقوبات على أن "كل من ترك قاصرًا لم يكمل الخامسة عشر من عمره دون سبب مشروع، أو معقول، وأدى إلى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررًا مستديمًا لصحته، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وتكون العقوبة الحبس من عام، إلى ثلاثة أعوام، إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشر من عمره".

وأضاف جهشان في تصريحات خاصة إلى "صوت الإمارات"، أن نبش الأطفال للنفايات منتشر في الدول العربية وفي الأردن، إما بحثًا عن الطعام أو لتجميع المعادن وبيعها، لافتًا إلى أن لأاطفال يتعرضون لمجموعة من المخاطر مثل الأجسام الحادة، والزجاج المكسور أو السكاكين التالفة أو أغطية المعلبات، والتي تتسبب في جروح قطعية وعواقبها الخطيرة، بسبب التلوث من النفايات، مثل الكزار والالتهابات المختلفة، ومن المخاطر الأخرى أن بعض الأطفال، يتناولوا الأطعمة والشراب التي يعثرون عليها، والتي تشكل مجازفةً وخطرًا بسبب تلفها أو انتهاء صلاحيتها أو يتناول المواد غير الصالحة للاستهلاك البشري، كمخلفات الجزارين، وبالتالي تعرضه لمختلف أشكال التسمم الغذائي والتهابات الجهاز الهضمي.

وأوضح جهشان أن الأطفال الذين ينبشون النفايات يتعرضون للنفايات الصناعية، والتي تشمل المواد السامة مثل المركبات الفسفورية العضوية، ومبيدات الحشرات الأخرى، والمواد الكيمائية الحارقة، والأحماض والمواد القلوية، وسوائل التنظيف، والمعادن الثقيلة، والبطاريات، والتي تشكل جميعها خطرًا مباشرًا على الصحة، وتحتوي النفايات على ملوثات من جسم الإنسان، كالبراز ومن ضمنها الجراثيم المسببة للأمراض المعدية والأوبئة، والطفيليات التي تسبب مدى واسع من أمراض الجهاز الهضمي، وتكون العدوى بوضع الطفل يده على فمه أو وجهه عقب النبش في النفايات.

ولفت جهشان إلى احتمالية وجود نفايات طبية من مخلفات المستشفيات والعيادات، نتيجة التراخي بالتخلص منها حسب الأصول الفنية، والتي تتضمن مخاطر التعرض للمواد البيولوجية كالدم والبول، والمواد الكيمائية الخطرة والسامة والعقاقير الطبية، والتي تستعمل في مختلف المجالات الطبية، وهناك خطر التعرض أثناء النبش للزرق العرضي بالمحاقن الطبية المستعملة، والتي تحمل مجازفة بتلوثها بالأمراض الخطيرة، مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائي، وهناك خطر العدوى من الغيارات الطبيبة، والتي تحتوي على شاش ملوث بالدم وإفرازات الجسم والصديد، وفي حالات نادرة جدًا قد يتم التخلص من الأجزاء المبتورة من جسم الإنسان أثناء العمليات الجراحية في النفايات، والتي تشكل خطرًا مباشرًا على حياة الطفل.

 

وكشف أن المخاطر متعددة ولا تنتهي، فمثلًا هناك المخاطر المتعلقة بتقلبات الأحوال الجوية، والتي تشمل التعرض للبرد القارص، وعواقبه تشمل قضمة الصقيع في أصابع القدمين واليدين وحدوث الوفاة بسبب البرد الشديد، ومخاطر الغرق والانجراف في السيول، ومجاري الصرف الصحي، ومخاطر التعرض للحر الشديد، وبالتالي حدوث ما يعرف بضربة الشمس. كما أن نابشي النفايات من الأطفال، إن كانوا إناثًا أو ذكورًا هم عرضة لكافة أشكال العنف، فهم يشكلون فريسة سهلة المنال للاستغلال الجنسي، ويتعرضون للملاحقة والعنف الجسدي من قبل السكان ومن قبل الشرطة وموظفي الخدمات الاجتماعية، ولمخاطر المنافسة في بعض الأحيان من قبل نابشي النفايات الآخرين.

وأشار جهشان إلى أن الأطفال، يتعرضون لهذه المخاطر بنسبة أكبر من البالغين، بسبب نقص المعرفة والخبرة وغياب الفطنة، لتقدير المخاطر الكامنة في النفايات، وكذلك بسبب سرعة تنفسهم العالية، فهم معرضين لمخاطر استنشاق المواد السامة أكثر من البالغين، وأيضًا بسبب رقة الجلد لديهم فهم معرضين للجروح والحروق، ولامتصاص المواد السامة أكثر من البالغين، وأن ليونة عظامهم تعرضها للتشوهات، بسبب كرب الأحمال الثقيلة للنفايات، وأن هناك ضرر مباشر على التطور الطبيعي لشخصية الأطفال بسبب هذه العمل، والوصمة المتعلقة به، ويتفاقم ذلك بسبب غياب التعليم وغياب الحياة الاجتماعية الطبيعية، وهذه الأمور جميعها تعرضهم للتهميش والتميز ضدهم.

وطالب جهشان الدول بالحفاظ على حقوق هؤلاء الأطفال، كونه يشكل خطرًا على حياتهم وصحتهم ويقصيهم عن التعليم، ويعرضهم لكافة أشكال العنف والإهمال، وهذا يشكل انتهاكا لحقهم بالحياة والصحة والتعليم والحماية، ونصت عليه اتفاقية حقوق الطفل، وهناك مسؤولية على الدولة بموجب التزامها الدولي بهذه الاتفاقية حماية حقوق هؤلاء الأطفال من المخاطر المحدقة بهم، والدولة هي الضامن لحقوق مواطنيها بما فيهم الأطفال وأهمها الحق في الحياة والصحة والتعليم والحماية من العنف والإهمال، وأن عدم إعطاء الدولة الأولوية لحماية حقوقهم، بسبب الوصمة المتعلقة بتعاملهم مع النفايات، يعتبر انتهاكًا لحقهم بالمساواة مع باقي الأطفال وقبولًا بتهميشهم، وبالتالي مزيدًا من انتهاك حقوقهم.