التوغل التركي

«تغريدة من الرئيس دونالد ترمب أو مكالمة منه، ستقرر مصير الوجود الأميركي شرق سورية ». كل مسؤول أميركي كان يعرف ذلك ويقوله في الجلسات المغلقة خلال محادثات ترمي إلى إقناع دول أوروبية وأخرى للمشاركة في نشر قوات عسكرية ضمن التحالف الدولي ضد «داعش» شرق الفرات.

ليس صحيحاً، أن جميع الدول فوجئت بقرار ترمب بالانسحاب الجزئي. ربما فوجئ مستشاروه ودول وأطراف حليفة، أنه لم يتراجع عن مضمون «مكالمته» مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان و«تغريداته»، كما فعل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما استجاب لحلفائه ومستشاريه ومدد الوجود الأميركي شرط موافقة فرنسا وبريطانيا ودول أخرى «ملء الفراغ والمشاركة في العبء».

الخلاف كان حول موعد الانسحاب الأميركي وحجمه وليس القرار ذاته. ولا شك أن قرار ترمب يخلط الأوراق ويطرح 16 سؤالا:


الطيران التركي يقصف حالياً بعمق الأراضي السورية، ما يعني سماح الجانب الأميركي بذلك، الأمر الذي سيضع مصير مذكرة «منع الاحتكاك» والترتيبات العسكرية الإقليمية والدولية، على مائدة التفاوض مع استمرار العملية العسكرية.

 

1 - «المنطقة الآمنة»: تركيا أعلنت أنها تريد منطقة بعمق 32 كلم وعرض 460 كلم على طول الحدود مع سورية ، تتضمن: أولاً، إبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية وسلاحها الثقيل وتفكيك القواعد الأميركية. ثانياً، إعادة لاجئين سوريين مع توفير بنية تحتية بحماية فصائل محسوبة على أنقرة. أميركا اقترحت بالتفاهم مع الأكراد «آلية أمنية» بعمق 14 كلم وعرض 70 - 80 كلم بين تل أبيض ورأس العين. الهجوم التركي بدأ بين تل أبيب أبيض ورأس العين بعد تفكيك أميركا قاعدتين لها فيهما، لكن القصف التركي وصل إلى عمق 30 كلم وامتد إلى حدود القامشلي. السؤال: ما هو عمق التوغل التركي الحالي؟ وما هو المقبول أميركياً في هذا الشأن، و«الحد» الذي يعتبره ترمب «مسموحاً بموجب حكمته».

2 - الوجود الأميركي: أقامت أميركا خمس قواعد عسكرية ومطارات كبرى وعدداً من نقاط التمركز المتنقلة. وانخفض عدد القوات الأميركية من ألفي عنصر إلى نحو 500، وعوضت بريطانيا وفرنسا ودولاً أخرى القوات الأميركية التي انسحبت بعد قرار ترمب بداية العام الحالي. وهناك أيضاً قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية - الأردنية - العراقية التي تضم قوات خاصة ومقاتلين سوريين. هل سيقتصر الانسحاب الأميركي عن النقاط القريبة من الحدود التركية أم يمتد جنوباً، علماً بأن إدارة ترمب، وخصوصاً مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، كانت وضعت قاعدة التنف ووجودها لمواجهة النفوذ الإيراني؟

3 - «قوات سورية  الديمقراطية»: قادت أميركا جهوداً لتشكيل تحالف عربي - كردي تعتبر «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الرئيسي، وتضم 60 ألف مقاتل وعناصر من الشرطة المحلية لتوفير الاستقرار وضبط الحدود (هناك تقديرات لعدد تراكمي يصل إلى 100 ألف). كيف ستنعكس العملية التركية على التوازن داخل المكونات العربية والكردية في «سورية  الديمقراطية»، وما هو مصير المجالس العسكرية في المدن ذات الغالبية العربية مثل دير الزور والرقة؟

4 - «داعش»: قبل أيام حذر عسكريون وباحثون أميركيون من عودة ولادة «داعش» الذي قضى التحالف على مناطقه في سورية  والعراق في مارس (آذار) الماضي. كما أن هناك آلاف «الدواعش» وعائلاتهم في سجون «قوات سورية  الديمقراطية» ومخيمات للنازحين. وأعلن ترمب أن عضوين في «داعش» في مجموعة «البيتلز» البريطانية، أصبحا الآن في عهدة الأميركيين ونُقلا إلى خارج سورية . وحذر الأكراد من أن الهجوم التركي سيؤدي إلى احتمال إطلاق «الدواعش» بمن فيهم أوروبيون لم تستقبلهم دولهم، في حين تعهدت تركيا بالتعامل مع هذا الموضوع. هل تشكل العملية فعلا «إعادة ولادة» للتنظيم؟

5 - العشائر العربية: تنوع ولاء العشائر العربية شمال شرقي سورية : مع دمشق أو أنقرة أو «الوحدات» الكردية أو دول عربية. وكان بعض العشائر يغير ولاءه بحسب التغير في ميزان القوة والطرف المسيطر والأقوى شرق الفرات، وانتقل من دعم دمشق إلى دعم «الجيش الحر» إلى «النصرة» إلى «داعش» إلى «الوحدات» الكردية. وشكلت الإدارة الذاتية الكردية مجلساً لوجهاء العشائر. هل سيتغير ولاء بعض العشائر بعد الهجوم التركي؟ كيف سيكون في ضوء تغيير الاستقطاب الإقليمي؟

6 - العلاقات الكردية - الكردية: تعزز نفوذ «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب»، وهما مقربان من «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبد الله أوجلان في مقابل تراجع نفوذ باقي الأحزاب وخصوصاً «المجلس الوطني الكردي» المقرب من تركيا. كان هذا واضحاً في البنية التحتية والاجتماعية والاقتصادية. وجرت محاولات بقيادة فرنسية لعقد تفاهمات بين الطرفين الكرديين اصطدمت بخلافات داخلية ورفض إقليمي. كيف ستتغير التوازنات في موجب الهجوم تركيا التي تستضيف طرفاً كردياً؟

7 - النفط والغاز والثروة: تضم مناطق شرق الفرات 90 في المائة من النفط السوري (كان 380 ألف برميل قبل 2011) ونصف الغاز السوري. سيطرت «قوات سورية  الديمقراطية» على جميعها. حسب المعلومات، تصدر «قوات سورية  الديمقراطية» 50 - 60 ألف برميل يوميا إلى كردستان العراق و25 ألفاً إلى مناطق الحكومة السورية. وترددت معلومات أنها بدأت بتخفيف السيطرة على الآبار أو حرقها. أغلب الظن ستكون ضمن نقاط التفاوض بين اللاعبين بحسب تطورات الوضع العسكري.

8 - مستقبل الإدارة الذاتية: تنقل تصور القادة للأكراد لمناطق سيطرتهم خلال السنوات السبع الأخيرة، من الحديث عن «روج افا» (غرب كردستان) إلى «فيدرالية الشمال» وصولاً إلى «الإدارة الذاتية ضمن وحدة سورية ». وشكلت إدارات وكيانات تحاول الدمج والتوازن بين المكونات العربية والكردية والأشورية مع التركيز على المكونات من دون بعد انفصالي في الخطاب. وتلقت دعماً من الدول الحليفة للإعمار والاستقرار. هل ستبقى المؤسسات والمجالس صامدة أمام الهجوم التركي؟ ما مصير التمويل؟

9 - المفاوضات مع دمشق: في بداية 2011 سعت دمشق إلى تحييد الأكراد شرق البلاد. وفّر هذا أرضية لزيادة نفوذ «الاتحاد الديمقراطي» و«الوحدات»، لكن النفوذ زاد على قدرات وتوقعات دمشق بعد دخول التحالف الدولي ضد «داعش».

 بقيت الخطوط مفتوحة بين قياديين أكراد ودمشق إلى أن طلبت واشنطن من «قوات سورية  الديمقراطية» وقف الحوار أو التفاوض. تعرض روسيا حالياً وساطة بين دمشق والأكراد، ونقطة الخلاف هي: دمشق تعرض إدارة محلية ولامركزية، في حين يريد الأكراد «إدارة ذاتية». أغلب الظن أن دمشق وموسكو ستقولان للأكراد: «ألم نقل لكم إن الأميركيين سيتخلون عنكم؟!». نائب وزير الخارجية فيصل المقداد رفض الحوار امس واتهم الاكراد بـ «الخيانة».

10 - اتفاق أضنة: وقّعت دمشق وأنقرة هذا الاتفاق في أكتوبر (تشرين الأول) 1998، ويسمح للجيش التركي «ملاحقة الإرهابيين» والمقصود «حزب العمال الكردستاني» بعمق خمسة كيلومترات شمال سورية . اللافت، أن رسالة خطية بعثتها تركيا إلى مجلس الأمن أول من أمس، قالت إن الهجوم الجديد جاء بموجب «اتفاق اضنة مع الجمهورية العربية السورية». هل ستعرض روسيا تطوير اتفاق أضنة عبر التفاوض والتطبيع بين دمشق وأنقرة بحيث يكون عمق التوغل التركي أكثر من خمسة كيلومترات وأقل من 32 كلم، شرط أن يكون شاملاً شريط الحدود السورية – التركية؛ ما يعني دخول قوات الحكومة إلى إدلب والشمال؟ كان إردوغان أشار إلى رغبته في «منطقة آمنة» بامتداد نحو 900 كلم من ريف اللاذقية غرباً إلى نهر دجلة شرقا وعمق 32 كلم.

11 - هدنة إدلب: ربط محللون دائماً بين تطورات شمال شرقي سورية  وشمال غربها. تركيا كانت توازن بين مسار آستانة مع روسيا ومفاوضات المنطقة الآمنة مع أميركا. روسيا كانت تضغط على تركيا في إدلب للتنازل شرق الفرات. كيف سينعكس التوغل التركي شرق الفرات على مستقبل اتفاق خفض التصعيد في إدلب. موسكو كانت أعطت مهلة إضافية لأنقرة للتوصل إلى حل لعقد إدلب. هل تستمر المهلة، أم أن دمشق ستستغل الوضع للتقدم شمال خان شيخون إلى حين تدخل الوسيط الروسي لعقد تفاهمات تشمل شمال شرقي سورية  وشمالها الغربي؟

12 - اتفاق منبج: توصلت واشنطن وأنقرة إلى «خريطة عمل: حول منبج غرب نهر الفرات وشمال حلب، تتضمن إخراج (الوحدات) الكردية وتسيير دوريات مشتركة، لكن بقي الخلاف حول وجود (الوحدات) والمجلس المدني. وتنتشر في ريف منبج دوريات روسية وأخرى تابعة للحكومة السورية قرب ميليشيات إيرانية، إضافة إلى قاعدة فرنسية ضمن التحالف. ما مصيرخطوط التماس؟

13 - الدور الإقليمي: في النصف الثاني من التسعينات وبعد فرض أميركا منطقة حظر جوي شمال العراق؛ ما أدى إلى ازدهار كردستان العراق، شكلت تركيا وسورية  وإيران منصة للتعاون الثلاثي لمنع تطور الكيان الكردي باعتبار أن هذه نقطة عمل مشتركة رغم خلافات إزاء أمور أخرى. هل يتكرر هذا الآن بمعنى أو آخر؟ بعيداً من التصريحات العلنية، هل يجمع الرفض السوري - الإيراني - التركي للكيان الكردي السوري الذي تعتبره الدول الثلاث «تهديداً لأمنها القومي»؟
14 - التطبيع العربي: أوقفت واشنطن بداية العام مسيرة التطبيع العربي الثنائي عبر فتح السفارات والجماعي عبر الجامعة العربية. لكن حجم الإدانة العربية لـ«العدوان» و«العزو» التركي على «سيادة سورية  ووحدتها» كان لافتاً. روسيا كانت أرادت استخدام تشكيل اللجنة الدستورية لدفع «التطبيع العربي» وإعادة سورية  إلى الجامعة العربية. هل يكون الاجتماع الوزاري العربي السبت مقدمة لإعادة عضوية سورية  إلى الجامعة قبل الجولة المقبلة للرئيس فلاديمير بوتين إلى المنطقة وبعد زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف في المنطقة، خصوصاً بعد بيانات الإدانة والاتصالات الهاتفية بين القادة العرب؟
15 - اللجنة الدستورية: المزاج كان إيجابياً قبل أيام بعد نجاح المبعوث الأممي غير بيدرسون بتشكيل اللجنة الدستورية وبدء تحضيرات عقد الاجتماع الأول في جنيف في 30 الشهر الماضي. وهو يزور دمشق بعد مشاركته في الاجتماع الوزاري الأوروبي الاثنين المقبل. هل ستوافق دمشق على المشاركة في العملية السياسية وسط الهجوم التركي؟ هل يطالب وزير الخارجية وليد المعلم بيدرسون بإصدار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش موقفاً متشدداً من الهجوم؟ هل ستبقى تركيا (هي إحدى الدول «الضامنة» لمسار آستانة مع إيران وروسيا) مهتمة بالمسار السياسي حالياً؟ أميركا التي لم تضغط على الأمم المتحدة لتمثيل حلفائها في «قوات سورية  الديمقراطية» في اللجنة الدستورية، كيف ستنظر إلى اجتماع اللجنة الدستورية؟
16- مذكرة «منع الاحتكاك»: في مايو (أيار) العام الماضي، توصلت أميركا وروسيا إلى تفاهم عسكري لمنع الاحتكاك بين طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن من جهة، والطيران الروسي من جهة ثانية. وجرى تحديد نهر الفرات خط تماس بين الطرفين. حاول حلفاء دمشق مرات عدة اختبار واشنطن التي ردت بقصف تنظيمات تابعة لإيران حاولت الاقتراب من التنف، وعناصر روس تابعين لـ«فاغنر»، حاولوا التوغل شرق الفرات، وأسقطت طائرة سورية. كما أن إسرائيل قصفت مواقع تابعة لإيران في ريف دير الزور.

قد يهمك ايضا:

طرح الوثيقة النهائية للاتفاق السوداني خلال ساعات بعد اكتمال الصيغة القانونية