القاهرة - مصر اليوم
فى بناية عروس دمشق، حيث أسكن، لا يمكن أبدا أن تنبهر بروح الغربة المنبعث من كافة أرجاء المكان، فالحياة تبدو كالحة بلا روح أو إيقاع شقق مقسمة إلى غرف فى كل غرفة عدد من الأسرة تمتطيها أجساد لوجوه مصرية وكأن حى إمبابة الشعبى بتوزيعه الجغرافى الجديد حصل على تصريح من رئيس الحى كى يصبح أحد العمارات السكنية فى مدينة السحر والجمال دبى. وجوه مهما استنشقت عطر الحداثة إلا أنه مازال عليها آثار عادم السيارات وغبار الطرقات ورائحة عرق الركاب. عشر دقائق أو يزيد أنتظر ذلك الأسانسير اللعين، وكأنه شريط سينمائى يعرض يوميًا فى تمام السابعة مع إشراقة يوم جديد، ابتسامات متعددة لشخصيات مختلفة تربطهم نفس الجنسية إلا القليل منهم، فهناك شقة لأسرة إيرانية وأخرى فيليبينية يهبط بصوته المزعج محملا بثلاث أفراد قد أكون أنا رابعهم ليس كعادته يحمل 6 أو 7 أشخاص، فى الجانب الأيمن لباب الأسانسير يقف أحمد سامح بجسده السمين المحمول على ساقين متلاصقتين أسفل رأس صلعاء وأنف مفلطحة يحمل بين كفتيه قطعة ورق من القصدير الفضى ملفوف بها ساندويتش لأعرف نوعه فقد يكون "طبيخ" أحيانًا أو قطعة من اللحم يأكل ويتكلم فى آن واحد بكلمات عذبة يوقظ مصريتك بـ صباح الفل ياباشا نهارك زى اللبن الحليب. نفترق على باب البناية، أعبر الطريق فى اتجاه سيارتى، ويتجه هو إلى سوبر ماركت أشكنانى، ذلك المحل الإيرانى لكى يبتاع منه علبة سجائر مارلبورو وكانز البيبسى، أركب سيارتى متجها لعملى أجده يلهث عند الإشارة للالتحاق بالأتوبيس، فلا أستطيع التوقف أو الانتظار، نظرًا لقواعد المرور، رغم تكدس السيارات ومحاولة خروجى من ديرة إلى بر دبى متجها إلى شارع الشيخ زايد وبتعدد المشاهد التى وقعت عليها عينى إلا أن صورته وهو يجرى مهرولاً لا تفارق خيالى. فى صباح اليوم التالى، يعيد الشريط السينمائى نفسه، كم أتيحت لى فرصة ركوب الأسانسير أكثر من مرة إلا أننى أنتظر صاحب الساندويتش أسأله فى أى اتجاه تركب مواصلاتك يجيبنى إلى منطقة "جميرا" أعرض عليه توصيله يوميًا حتى وإن غيرت اتجاه سيرى كونى سعيدا بابتسامته وظله الخفيف. أتركه حتى يأتى بتموينه اليومى من سجائر وبيبسى فى ذلك الوقت أقوم بتشغيل السيارة وأتصفح أخبار مصر على شاشة الموبايل عبر المواقع الإخبارية. ألمح حبيبات العرق تلمع على صلعته من رطوبة الجو الحار، يركب بجوارى يشعل سيجارة ويضبط المؤشر على راديو سوا عرفت منه أنه جاء إلى الإمارت منذ عامين من أجل العمل كى يؤسس شقة ويتزوج من "أسماء مختار" التى بمثابة حصيلة مغامراته النسائية الفاشلة منها والناجحة. يتحدث عن مغامراته سواء فى مصر أو دبى يتكلم طيلة الطريق الذى يستغرق نصف ساعة أو يزيد حسب حركة المرور عن الفتاة التى اعتاد السهر معها فى شارع جامعة الدول وأخرى ساكنة شارع الهرم كان يقابلها فى فندق حور محب أو الأرملة المراهقة التى كانت تراوده عن نفسها منتهيًا بثلاث فتايات روسيات يسكن شارع الرقة بدبى أهز رأسى ولا أعرف لماذا أبتسم رغم أن كلامه غير مقنع صباح يوم جديد يدق هاتفى معلنًا على الشاشة أحمد سامح معلش ياباشا انا نازل فورًا أصل راحت عليا نومه ألمح الساندويتش يرتفع على فمه تارة ثم يمسكه بيده تارة أخرى يردد كلماته صباح الفل ياباشا يركب بجوارى أجلس مستسلمًا حتى أستمع إلى الحلقة الثانية من مغامراته ولكنها هى نفسها التى سمعتها أمس مع إضافات بسيطة، ولكن على كل حال فهى توحى لنا أن اليوم غير أمس تكررت حلقاته وبدأ يختلط عليه الأمر، وتتحول الأرملة المراهقة إلى فتاة شارع الهرم وفتاة جامعة الدول إلى فتايات شارع الرقة بدبى وفى كل مرة يخبرنى عن تفاصيل مختلفة عن المرات السابقة أهز رأسى ولا أعرف لماذا أبتسم حتى هذه المرة التى تضاربت فيها أقواله عرفت أننى أبتسم مشفقًا على حاله لأن ما يحكيه من فتوحات جنسية لا يقدر عليها شاب ممشوق القوام وليس ممتلئ الكرش أصلع الرأس ملتصق الساقين مثله. ينتهى يومى متأهب للعودة ينتظرنى بواب البناية "الناطور" معلنًا عن خلو السرير المجاور ويسألنى هل احتاجه لصديق ما أم يؤجره بمعرفته لم يخطر ببالى شخص سوا أحمد سامح عرضت عليه الأمر، وافق ونقل أغراضه معى فى شقة 302 غرفة رقم 1 ظلام دامس لا تسمع سوى أنفاس لجسد منهك يشبه خوار عجل سمين استيقظ فى منتصف الليل على صوت شجار انظر على السرير المجاور أجده يضرب بقدميه حافة السرير يتحدث عن مديره الفلسطينى "عماد وضاح" ومدى ظلمه له يأتى الهدوء مرة أخرى تحتضن جفونى مقلة عينى أستشعر لذة النعاس لسويعات قليلة. أستيقظ على حديثه مع فتاة روسية يحدثها بالإنجليزية دون أن يفهم كل منهما الآخر حتى ينتهى الحوار بالسب ويعاود النوم أحاول الاسترخاء ولكن دون جدوى، فالقلق يراودنى، يرن هاتفى المحمول تظهر على شاشته الزرقاء صورة صديقتى البولندية التى تعمل مضيفة على طيران الإمارات توقظنى كى أذهب إلى عملى أغسل وجهى واستمتع بالدش الساخن فالمياه بطبيعتها ساخنة نظرًا لارتفاع حرارة الجو يستيقظ سامح خلفى تماماً حتى أنتظره بسيارتى يبدأ فى سرد مغامراته. هذه المرة لم أكن أهتم بما يقول فهى بالنسبة لى أخبار محروقة سمعتها بالمساء يشرح لى وكأنى أمام أحد الكليبات الساقطة . يسألنى هل أنت منزعج من شيء أجيبه: فقط الروتين بالسير كل صباح فى شوارع دبى المتكدسة، بالإضافة إلى مغامراتك التى شوقتنى إلى الإلتفاف لكل ما هو يحمل صفة الأنثى، نظر إلىّ ثم ضحك ضحكات عالية تشبه ذلك الشخص قصير القامة مستدير الخصر فى فيلم ثقافى لا يملك الفيلم أو الفيديو ولا حتى المكان لكنه يريد المشاركة. فأجابنى اكتفى بالنظرات فقط ولا تفعل مثلى فأنا كل ليلة مع امرأة مختلفة نظرت إليه بابتسامة شفقة قائلأً هيا بنا ننظر سنكتفى بالنظرات فقط حركت عجلة القيادة يمينًا حتى اتجهت إلى "الهارد روك" أشهر ملعى ليلى "ديسكو" فى دبى حيث خروج الشقراوات المخمورات المنهكات من ليلة رقص يقفن فى انتظار سيارات التاكسى يرد سامح قائلاً ماذا لو كنت سائق تاكسى او حتى كرسى فى تاكسى أعكس عجلة القيادة قليلاً ناحية اليسار حتى الحق بالساقطات الراقصات الخارجات من فندق "كراون بالازا" بأجسادهن شبه العارية ينظر إليهن فاتح فاه أحدثه أكتفى بالنظرات فقط مثلى تماماً يرد بنفس متقطع من هول أجساد الشقروات بشعورهن الطويلة المتطايرة أن الثلاث فتايات الاتى يسكن شارع الرقة أجمل منهن وكل واحدة تعشقه بطريقة مميزة وكأن الأجساد العارية جعلته يسرد مغامرات من واقع الخيال كما توقعت تماماً مر اليوم حتى عاودت سكن العذاب حيث روائح عفونة سلال المهملات والصرارصير الناتجة عن الرطوبة وحرارة الجو يسيطر الشيطان على تفكيرى إلى متى أستمتع بالنساء من خلف عدسات نظارتى دون أن يحق لى اللمس غارقًا فى سماع مغامرات أحمد سامح الشفهية يأتى المساء بظلام دامس لا ترا سوا شعاع شحيح لضوء المطبخ المنبعث من الصالة مارا بحافة باب الغرفة أستيقظ على صوت أسنان تتشاجر أغمض عينى ولا أبالى هى حلقة من حلقات سامح اليلية انتهت بسب عماد وضاح ثم الذهاب لفندق حور محب أول شارع الهرم حيث لقاء مغلق مع فتاة ليل فى الطابق الثانى حتى تنتهى الحلقة بوقوفه أمام باب الثلاجة ليتناول أى شيء حتى وان كان مثلج استيقظت من نومى معلنًا اليوم سأكسر كل قواعد الروتين أيقظت ذلك المتحدث بالليل خائض المعارك والفتوحات فى الصباح قائلاً له اليوم إجازة وسأعزمك على شيء جميل بشرط أننا لا نكتفى بالنظرات رد ضاحكًا بطريقة هستيرية كالطفل الصغير مرددًأ "قشطة ياباشا" أمسكت بهاتفى المحمول حتى أبلغت "اينى وايرينى" اللتين يحملن الجنسية الأوكرانية عن ذهايى إليهن بصحبة صديقى ركبت سيارتى متجهًا إلى منطقة البراحة بجوار مطعم كنتاكى، حيث انتظار بائعات الهوى يجلس سامح بجوارى يتحدث عن مغامراته كرجل غير عادى فى علاقاته النسائية ظننت وقتها أنه هولاكو أو هرقل صعدنا الطابق الثانى حتى دخلنا شقة عابقة برائحة البخور الممزوجة بدهن العود استقبال حافل يليق بمغامرات أحمد سامح جلسنا فى الصالة نسترخى تجلس بجوارة "ايرينى" بعطرها الفواح مثير للرغبة زاد الكحل من عينيها جمالا ممزوج باتساع مقلتيها ظل ينظر إليهم فاتح فاه فكلاهما ترتدى ملابس شبه عارية شفافة حتى ظننت أن يغشى عليه من هول المنظر محدثًا اياه ان البروتوكول فى أوكرانيا مختلف تمامًا عن ساقطات شارع الهرم تجلس بجوارى "إينى" فى عينيها اشتهاء لهذا الفرعون الأصلع. أصابت إرينى حمى الرقص ظلت ترعش ببطنها وأردافها وتضرب بقدميها الأرض بطريقة إغراء حتى أهتز كل جسدها أحمد سامح الذى أتى منذ عامين لكى يؤسس شقة من أجل خطبة أسماء مختار، ذلك الشخص الأصلع صاحب الكرش المترهل الذى تحمله ساقين متلاصقتين يتحول إلى نحلة خشبية أو حقيقية فكلاهما رشيق يدور فى دائرة كاملة فاردًا جناحية ممتلىء نشوة وكانه طائر محروم من الطيران يحلق بجناحية حول الفتاة حتى أدخلته الغرفة دقائق معدودات .. عاودت إيرينى فتح الباب تنتابها حالة هستيرية من الضحك حتى دخلنا الغرفة لنجد أحمد سامح غارقًا فى كابوسه المعتاد يضرب برجليه حافة السرير ويتشاجر مع مديره الفلسطينى.