ما زالت الرياضة المغربية وفية للمنطق نفسه الذي ظلت تنتظم فيه منذ 19 سنة من حكم الملك محمد السادس.
فهي تدرج بعض الإنجازات هنا وهناك، في هذه الرياضة وتلك.
غير أن تلك الإنجازات لا تتحقق في إطار ممارسة منظمة تنظيما احترافيا، ووفق برامج مضبوطة، وفي إطار استراتيجية وضعتها الدولة.
وهكذا، فبالعودة إلى الموسم الرياضي المنتهي، وهو موسم 2017-2018، سيلاحظ المتتبع للشأن الرياضي أن كرة القدم المغربية تمكنت، بما هي القاطرة، كما يقال، من بلوغ كأس العالم فيفا، والظفر بكأس “الشان”، وبعصبة الأبطال الإفريقية، بعد عشرين سنة من الغياب، كما أدرك بعض الرياضيين، في رياضات ألعاب القوى والفنون الحربية، وغيرها، العالمية.
غير أن تلك النتائج لم تستطع التغطية على غياب استراتيجة رياضية للدولة، بما هي مخطط واضح المعالم، ومبرمج زمنيا بالتدقيق، ووضعت له ميزانية على مدى معروف، قصد بلوغ نتائج معينة؛ ليست بالضرورة نتائج في المسابقات، بل في التكوين، والتدريب، وعدد الممارسين، وقيمة البنيات التحتية.وهو ما يكرس الهواية في التدبير والتسيير، إلى أجل غير معلوم.
فكرة القدم المغربية، التي بلغت العالمية بالمشاركة في كأس العالم فيفا، المنظمة في روسيا، لم تستطع التعويل على اللاعب المغربي الممارس في البطولة الوطنية (اللاعب الكعبي والحارس التكناوتي).
بل إن أغلب الفرق المغربية كانت على حافة الإفلاس، وظلت تشتكي غياب السيولة المادية، التي تمكنها من أداء رواتب لاعبيها ومؤطريها.
أما بقية الرياضات فظلت تسبح في الهواية من حيث تدبيرها، مع بعض الاستثناءات التي ظلت تؤكد القاعدة، وتؤشر إلى أن الأفق ما يزال مطبوعا بالضبابية، في ظل قانون لم يفعل، خاصة في ما يتعلق بجانب الشركة الرياضية؛ حيث إن جامعة الكرة حاولت الانفصال عن الباقين، فيما هؤلاء الباقون فضلوا البقاء خارج السياق كما لو أن الأمر لا يعنيهم.
ورغم كل التحذيرات السابقة لأطر وطنية من غياب الاستراتيجية، التي عادة ما تنتبه إلى الفئات الصغرى، وتكوين المكونين، فإن الرياضة المغربية واصلت وضع الأصابع في الأذنين، مع اقتراب موعدين مهمين للغاية، أحدهما هو الألعاب الأولمبية للشباب بالأرجنتين (من 6 إلى 18 أكتوبر ببوينس أيريس)، والآخر هو الألعاب الأولمبية للكبار في طوكيو (من 24 يونيو إلى 9 يوليوز، ويليه موعد الألعاب البرلمبية بالمدينة نفسها).
وهكذا، سيجد المتتبع للشأن الرياضي المغربي نفسه إزاء تكرار القول بأن النتائج كانت أضعف من المتوقع، في ظل غياب اهتمام بالتخطيط والتحضير، فضلا عن دراسة معمقة للمشاركات السابقة، التي كانت مخيبة حسب المتتبع، وجيدة، دائما، حسب الجهات الحكومية، المتكئة على المقولة الشهيرة لدوكوبيرتان:”المهم هو المشاركة”.
مع أن المقولة نزلت لأسباب معينة، في ظرفية معينة، ولا يمكن الاعتماد عليها لتبرير نتائج سيئة ظلت تتكرر عشرات السنين.. البقالي.. ألعاب القوى أيضايمكن القول إن ما أدركه العداء المغربي سفيان البقالي، المختص في سباق 3000 متر موانع، خلال بداية الموسم الصيفي لألعاب القوى، يعد إنجازا مهما، باعتبار أنه يدخل في سيرورة التطور من مجرد المشاركة إلى الحضور الجيد إلى تحطيم الرقم الشخصي.فقد فاز سفيان البقالي، الحائز على الميدالية الفضية في بطولة العالم، بسباق 3000 متر موانع، في لقاء موناكو ضمن الدوري الماسي لألعاب القوى، قبل أيام، مسجلا سبع دقائق و58 ثانية و15 ج.م، محققا أفضل توقيت عالمي في السنة، وعاشر أفضل توقيت في كل الأزمنة، ومتقدما بثلاث ثوان على الأمريكي إيفان جاغر (8 دقائق و ثانية و02 ج.م) و11 ثانية على الكيني كونسيسلوس كيبروتو (8 دقائق و 9 ثوان و78 ج.م).
ويؤشر هذا التطور في سيرورة سفيان البقالي، ابن مدينة فاس، إلى أنه يستعد بالطريقة المطلوبة، ويؤمن بقدراته على العطاء، بل أكثر من ذلك، فهو ينبئ عن مشروع بطل أولمبي، متى واصل في النسق نفسه، وبتوفير ظروف ملائمة من قبل القائمين على ألعاب القوى المغربية.
ما يتعين بقوة الواقع أن الإنجاز المحقق من قبل البقالي لا يعني بالضروة أن ألعاب القوى المغربية بخير، إذ ينسحب عليها ما ينسحب على كرة القدم، بإنجازات عالمية مهمة، ولكنها خارج كل استراتيجية واضحة المعالم، تتغيى الوصول إلى نتائج مرتبة في الزمن، وفق رزنامة معلومة مسبقا