بقلم: خالد منتصر
لم أجد تعريفاً عملياً للوطنية والانتماء أفضل من دموع أبطال كرة اليد بعد مباراتهم الأسطورية مع منتخب الدنمارك بطل العالم، كانوا يريدون إهداء النصر للوطن، ينظرون إلى لوحة التوقيت بترقب ولهفة وعليها اسم الوطن، ينشدون السلام الوطنى بكل حماس، وتنفعل كل جوارحهم عند ذكر الوطن، عند اسم مصر، كانوا يتمنون الالتفاف بعلم الوطن عند إعلان النصر، كل خلجة من خلجاتهم فيها نبض الوطن.
تذكرت صديقى الذى كان يفرّق الإخوانى صاحب «طظ فى مصر» من المصرى الحقيقى الوطنى صاحب «مصر وطن يعيش فينا» و «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى»، كان يستطيع التفرقة بدموع الشخص عندما يشغل أغنية «على الربابة باغنى» أو «يا حبيبتى يا مصر» أو «بوابة الحلوانى»، الدموع رمز، من الممكن عند سماع تلك الأغانى أن ينفعل المصرى غير الإخوانى، يهتز، ومن المألوف جداً أن يدمع، لكن الإخوانى استحالة أن يذرف دمعة أو يرتعش له جفن، فالبرود هو سمته الأساسية، والخلافة وطنه ودينه، أما الوطن فهو حفنة من تراب عفن كما قال فيلسوف الدم الأعظم سيد قطب، أذكركم بيوم تشجيعهم لفريق جنوب أفريقيا ضدنا ورفعهم لشعار رابعة فى المدرجات وهتافهم لغانا عند هزيمة منتخبنا الوطنى لكرة القدم، وكما كتبت من قبل، الإخوان لا يعرفون معنى الوطن، لا يدركون كلمة الانتماء، هم جالية أو عصابة أو تنظيم داخل دولة، مصر بالنسبة إليهم سكن لا وطن، الإخوان يعتبرون مصر حقيبة على سير مطار، أو غرفة فى فندق يبيتون فيها عدة ليالٍ ثم يتركونها، إحساسهم بالنسبة لمصر هو نفس إحساس أى بنى آدم يسكن فى غرفة فندق، علبة سجاير فى كشك، استمتع بها ثم دُس عليها بحذائك بعد مصمصة عظامها، وبعد أن تتحول إلى مجرد «عُقب»، لا يهمه نظافة الغرفة أو ترتيبها أو تنسيقها أو كعبلتها، باختصار «إياكش تولع»، علاقة الإخوانى بمصر هى «إياكش تولع»، يزرعون هذه الثقافة جيلاً بعد جيل.
عندما غنى «الحجار» كلمات مدحت العدل التى تقول «إحنا شعب وهما شعب»، كانت جملة عبقرية لخصت رحلة صراع استطاعوا فيه أن ينتصروا ويركبوا بتزييف وعى المصريين الذى ساهمت فيه ظروف وعوامل كثيرة منها نظام مبارك نفسه للأسف، مشكلتنا مع الإخوان ليست خلافاً على خطة اقتصادية أو ارتباك سياسى أو تضارب مصالح، لكن الخلاف هو على الهوية، من الممكن أن تغير كمية إنزيمات الجسد ونسب هرموناته بل وتزرع أعضاء أو خلايا، لكن أن تغير وتدمر وتذيب الـ«دى إن إيه»، شفرة الهوية، إذاً أنت تنفى وتخرب وتقتل وتغتال الشخصية والوجود والتحقق الإنسانى، هوية الوطن ومعناه. هذا هو لب الخلاف، الإخوانى حلمه الخلافة الإسلامية التى عبَّر عنها مرشدهم فى تفضيله أن يحكم مصر أفغانى أو ماليزى إخوانى، على أن يحكمها مصرى غير إخوانى، وطبعاً لو كان قبطياً تكون الكارثة أكبر والمصيبة أفدح!!
«مرسى» عندما سمح للحمساوية وشذاذ الآفاق أن يحتلوا سيناء كان يطبق نفس المفهوم، وبعدها عندما سمح لوثائق الأمن القومى أن يطلع عليها إخوان قطر وأعضاء التنظيم الدولى كان يحقق نفس الحلم، الإخوانى مشكلته ليست مع تشجيع كرة القدم منتخباً أو أندية، ولكن مشكلته مع الوطن كله، ما هو الترمومتر الذى تقيس به حرارة انتماء الإخوانى أو جهاز الأشعة الذى يكشفه؟ كما قلت الإخوانى لا تدمع عيناه عند سماع «واحنا فايتين ع الحدود»، الإخوانى لا يفرح لفوز زويل أو نجيب محفوظ بنوبل، الإخوانى لا يرفرف قلبه فرحاً عندما يرى أهرامات مصر أو قلعتها على شاشة التليفزيون وهو فى الخارج، الإخوانى لا يرقص على نغمات على إسماعيل وفرقة رضا فى «حلاوة شمسنا»، الإخوانى لا يضحك ولا يفرح إلا فى موت جنودنا لأن هذا سيقربه هو وعصابته من حلمهم الأزلى المقدس، الإخوان لا يضحكون على نجيب الريحانى لأنه مسيحى ولا يضحكون على عادل إمام لأنه ذهب إلى أسيوط ليعرض مسرحيته ضد الإرهاب، بل إنهم لا يضحكون على مسرحياتنا الكوميدية كلها لأنهم لا يعرفون روح الدعابة التى يجهلها كل من يعانى سقم الروح وجفاف الوجدان مثلهم، وهم متصحرو الروح والوجدان بامتياز، للأسف ما زالت وستظل «همّا شعب واحنا شعب» عملة قابلة للتداول فى كل العصور والأزمان.