بقلم : عمرو الشوبكي
بلغ عدد القوات العسكرية المكلفة بحماية واشنطن وتنصيب الرئيس الأمريكى جو بايدن حوالى 25 ألف فرد، وهو أضعاف القوات الأمريكية المتمركزة فى العراق وأفغانستان وسوريا، فى حين انتشر 63 ألف عنصر من الحرس الوطنى فى كل الولايات الأمريكية، وأصبح العالم أمام مشهد تنصيب غير مسبوق فى التاريخ الأمريكى المعاصر.
والمؤكد أن الصخب الذى صاحب فوز بايدن فى الانتخابات ألقى الضوء على الديمقراطية الأمريكية التى مرت باختبار صعب نجحت فى عبوره جزئيًا بتثبيت شرعية الرئيس الفائز رغم كل الأكاذيب وحملات التحريض التى روجها ترامب ودفعت بعض أنصاره إلى اقتحام مبنى الكونجرس والعبث بمحتوياته والتسبب فى وفاة 5 أشخاص.
وقد شهدت أمريكا تحديين كبيرين: الأول منذ إعلان نتيجة الانتخابات حتى لحظة التنصيب، والثانى تحديات ما بعد التنصيب التى ستواجه الرئيس المنتخب.
والمؤكد أن التحدى الأول لم يكن سهلاً لأن الرئيس المنتهية ولايته (وليس مرشح المعارضة)، هو الذى شكك فى نتيجة الانتخابات واعتبرها مزورة، وأن هذا الرئيس يقود الحرس الوطنى والجيش والمباحث الفيدرالية والمخابرات، أى على رأس مؤسسات عملاقة لقوة عظمى.
ولو كانت مؤسسات الدولة خضعت له وليس للدستور والقانون لبقى ترامب فى السلطة حتى الآن، وزُورت له نتائج الانتخابات.
وقد حاول ترامب بوسائل مختلفة أن يتحايل بالترغيب والترهيب على نتائج الانتخابات فضغط على بعض حكام الولايات، وعلى سكرتير ولاية جوروجيا لتغيير النتيجة وفشل، وتمنى أن يجد عضوًا واحدًا من الأعضاء الثلاثة الذين عينهم فى المحكمة العليا ليقول له: «أحلام سيادتك أوامر» ويقبل طعنه ويزور له نتائج الانتخابات، ولم يجد، حتى بعض أعضاء حزبه رفضوا تصرفاته وصوت 10 منهم فى الكونجرس لصالح محاكمته.
وجاء توقيع عشرة وزراء دفاع سابقين، وبعضهم جمهوريون، على رسالة يحذرون فيها من تورط الجيش فى عملية انتقال السلطة ليقول إن المؤسسات حافظت على إرادة الناخبين واحترمت الدستور والقانون حتى لو كان رئيس الجمهورية هو قائدها الأعلى. يقينًا عبرت أمريكا الاختبار الأول بفضل استقلال المؤسسات الأمريكية عن السلطة التنفيذية ومهنيتها وإيمانها بالدستور والقانون، وهو الطريق الذى جعل تنصيب بايدن رئيسًا مؤكدًا.
أما التحدى أو الاختبار الثانى فهو يتعلق بمواجهة الانقسام الذى لم يعد نخبويًا كما كان فى الماضى، إنما أصبح مجتمعيًا بين جانب مؤثر من قوى اليمين الشعبوى والمتطرف والتقليدى (لاحظ أن حوالى 60% يعتبرون أن الانتخابات زُورت ضد ترامب) وبين التيارات الليبرالية واليسارية والجمعيات الحقوقية، وهو انقسام يعكس الموقف من العولمة ومفاهيم السيادة الوطنية، وأيضًا مستوى التعليم والفارق بين ثقافة المدن الكبرى والريف والوضع الاجتماعى، وهى كلها تباينات طبيعية تشهدها معظم المجتمعات ولكنها تحولت عقب حكم ترامب إلى استقطاب وتحريض متبادل، وسيصبح أمام بايدن تحدى إعادتها لوضع الخلاف الطبيعى.