بقلم : عمرو الشوبكي
قرار الرئيس الأمريكى بتعيين «ويندى شيرمان»، كبيرة المفاوضين الأمريكيين فى اتفاق إيران النووى (انسحب منه ترامب)، نائب وزير الخارجية له دلالة مهمة فى توجهات الإدارة الجديدة تجاه إيران.
واعتاد الحزب الديمقراطى فى العقود الأخيرة تبنى سياسات احتوائية تجاه قوى كثيرة مناوئة فى الداخل والخارج، وقد تكون العلاقة مع إيران نموذجًا لافتًا لهذه السياسة التى طبقها الرئيس الأسبق باراك أوباما، وأسفرت عن التوقيع على اتفاق خمسة + 1 فى 2015، ونصّ على عدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3.67 لمدة 15 عامًا على الأقل، وعلى تقليص المخزون منخفض التخصيب، البالغ عشرة آلاف كيلوجرام، إلى 300 كيلوجرام لمدة 15 عامًا، كما وافقت أيضًا على عدم بناء أى منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عامًا.
وعقب قرار الرئيس الأمريكى السابق الانسحاب من الاتفاق النووى، استغلت إيران الفرصة وقامت فى نهايات العام الماضى بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وهو ما يمثل خرقًا واضحًا للاتفاق النووى، الذى صار حبرًا على ورق، وأعيد طرح السؤال مرة أخرى: هل السياسات التى اتبعها ترامب تجاه إيران وبدت كأنها خشنة، نجحت فى ردعها؟ أم أن تأثيرها كان عكسيًا كما اتضح من سياسات إيران العدائية تجاه دول المنطقة وزيادة أنشطتها النووية، وهذا ما جرى عمليًا على الأرض.
والحقيقة أن هناك تيارًا مازال مؤثرًا فى أوروبا والولايات المتحدة وحاضرًا بقوة فى إدارة بايدن، يحاول أن يعدل من توجهات إيران عبر تبنى سياسات احتوائية تنقلها من دولة ممانعة خارج المنظومة العالمية إلى دولة ممانعة من داخلها، وهو فارق كبير، وسيعنى من الناحية العملية فتح الباب أمام المجتمع الدولى للتأثير فى النظام الإيرانى من خلال التفاعل السياسى والاقتصادى والثقافى ودفعه عمليًا نحو الاعتدال.
الواضح أن السياسة الأمريكية الاحتوائية ستصبح ملمحًا أساسيًا فى أداء إدارة بايدن، وهو أمر لا يجب رفضه من حيث المبدأ، إنما يجب أن يكون مشروطًا بتغيير السلوك الإيرانى تجاه دول المنطقة، وفى دفعها نحو لجم أذرعها وميليشياتها فى العالم العربى، على اعتبار أن ارتباطها بالعالم سيعنى مزيدًا من حسابات الرشادة الاقتصادية وتراجع حدة الأيديولوجية الدينية المهيمنة على النظام السياسى الإيرانى، بما يعنى إعطاء فرصة حقيقية لكى تراجع رهاناتها الخاسرة وفى بعض الأحيان التخريبية والطائفية فى أكثر من بلد عربى.
الواضح أن التوجه الجديد للإدارة الأمريكية مقلق لبعض الدول الخليجية، ولكن المؤكد أن أى تصعيد أو مواجهة عسكرية فى المنطقة لن تدفع ثمنها الولايات المتحدة، إنما دول المنطقة، وعلى رأسها دول الخليج العربى.
السياسة الاحتوائية المشروطة تجاه إيران ستصبح واقعًا، ولا يجب أن تخشاها الدول العربية، إنما يجب أن تكون طرفًا فاعلًا فى صياغتها والاستفادة من نتائجها.