تعد دولة الإمارات الأولى خليجياً في تطبيق «الاقتصاد الأخضر» كمسار من مسارات التنمية المستدامة. فدولة الإمارات تسعى من خلال جهودها في تطبيق هذا النوع من الاقتصاد إلى ضمان مستقبل مستدام لأجيالها القادمة.
ويظن البعض أن الاقتصاد الأخضر هو جديد على المنطقة وأنه سوف يجد صعوبة في التطبيق بحكم الظروف الاقتصادية ومتطلبات التنمية والطلب المتزايد للطاقة والمياه، ولكن من ينظر إلى مفهوم الاقتصاد الأخضر لا يجد أي غرابة في سعي المنطقة اليوم لتبنيه مجدداً حيث إن جذوره التاريخية تمتد في عمق هذه التربة.
فثقافتنا اليومية في الماضي كانت في الواقع بحكم الظروف البيئية كانت قائمة على الاستدامة وعلى الاقتصاد الأخضر.
ففي مجتمعات «الكفاف» كانت الأسرة وحدة إنتاجية متكاملة. فهي تنتج كل ما تحتاجه من مأكل وملبس وتستورد القليل وتصدر الكثير وتعيد تدوير كل المخلفات والنفايات. ولهذا فقد كانت تعد مجتمعات خالية من كل ما يسيئ للبيئة.
التنوع كان أساس المنطقة منذ القدم. فلم تكن الإمارات مجتمعاً واحداً تسوده نفس النظم والعادات بل كان يوجد في الإمارات أكثر من خمسة مجتمعات يمكن تقسيمها حسب الإنتاج الاقتصادي والنظم الاجتماعية والتوزيع الجغرافي.
فهناك مجتمع السواحل أو الحضر القائم على التجارة وصيد السمك واللؤلؤ، وهناك مجتمع البدو في الصحراء والقائم على الرعي والقنص والتنقل من مكان لآخر، وهناك مجتمع الواحات القائم على الزراعة وحرث الأرض وتربية الماشية بأنواعها، بالإضافة إلى مجتمع الجبال ومجتمع الجزر. وعلى الرغم من هذا التنوع إلا أن الاستدامة كانت تجمعهم.
وكان التواصل والتكامل ضرورة من الضرورات الاقتصادية. فبدون هذا التواصل والتكامل الإنتاجي لم تكن الحياة لتسير بالشكل الذي سارت عليه. فثقافتنا اليومية منذ القدم قائمة على التكامل والتواصل مع الآخرين.
فقد كان التكامل والتواصل الدائمان هما لب ثقافة التجار ومحور علاقتهم الإنسانية قبل الاقتصادية. كما كان هذا التكامل محور ثقافة البدو الذين عادة ما يقدمون من البادية إلى المدن الساحلية لمقايضة ما ينتجون وشراء ما يحتاجون.
لم تكن العلاقات بين أفراد تلك المجتمعات اقتصادية بحتة بل قائمة في الكثير من الأحيان على العلاقات الإنسانية والتي بدونها لا يمكن لتجارة أو اقتصاد أن يزدهر وينمو. الجميع بحكم الظروف كان مضطراً للاعتماد على الكلمة غير المكتوبة.
فثقافة الأجداد قائمة على إعطاء الكلمة أي الوعد والالتزام به. فمتى ما أعطى الإنسان وعداً أو كلمة فهي ميثاق شرف وقانون وحتى لو لم تكن مكتوبة. فلم يعهد أجدادنا التعامل بالورق في معاملاتهم حتى مع معرفتهم بالقراءة والكتابة بل كانت كل معاملاتهم شفاهية بما فيها المعاملات المالية.
في هذا الجو من الطمأنينة والأمن تعامل أجدادنا مع الآخرين حتى الذين كانوا من غير ديانتهم. فالمصادر التاريخية تؤرخ لمعاملات بملايين الدراهم كانت تتم دون ورق ولا توثيق وفي معظم الأحيان بين الإمارات والهند. فنظام الحوالات هو نظام يشبه نظام البنوك وإن كان دون ورق ودون توثيق ويعمل بدقة كنظام مالي موثوق.
كان النظام اليومي للفرد والأسرة قائماً على الاستدامة وتجنب الهدر. فبحكم الظروف الاقتصادية والمعيشية كانت الأسرة هي وحدة الإنتاج المجتمعي وهي الممول الرئيس للاقتصاد. وكان الاقتصاد يسير بشكل عجيب كما كان قادراً على تجنب الهزات الاقتصادية وتطويع نفسه حسب الظروف الإقليمية والدولية.
إن الاقتصاد الأخضر اليوم ليس بالمفهوم الجديد كلياً على منطقة الإمارات. فقد اعتاد أجدادنا على تبني نفس النسق والمفاهيم وإن كانت في إطار وربما سياق مختلف. وبالتالي فإن دخول مفاهيم جديدة إلى مجتمعنا اليوم ليس بالضرورة أن تكون غير معروفة ولا مطبقة مسبقاً. إن الاقتصاد الأخضر أو المستدام له فوائد جمة ليس فقط على مجتمعنا بل وعلى العالم أجمع.
ففي الوقت الذي تتعالى فيه النداءات لحماية البيئة وإيقاف الهدر ووقف الاستخدام المفرط للموارد البيئية، فإن لهذه المفاهيم جذوراً تاريخية ضاربة في تربتنا. فقد لجأ أسلافنا إلى الاقتصاد الأخضر ربما دون وعي كامل بالمخاطر البيئية ولكن بوعي كامل لضرورات الحياة الاقتصادية.
إن واجبنا اليوم يكمن في تثقيف الأجيال الجديدة بثقافة الأجداد في الحفاظ على البيئة وفي إعادة التدوير حفاظاً ليس فقط على كوكب الأرض وما فيه من موارد، بل حفاظاً على إرث الآباء والأجداد، فقد كان سلوكهم اليومي أعظم مثال على الاقتصاد الأخضر.