بقلم : محمد الحمادي
اللافت في مشهد القدس، هذه المرة، أنه كان بعيداً عن التأثيرات الخارجية أو الاستعراضات الحزبية، فالفلسطينيون من أبناء القدس ورجال الدين فيها، وقفوا في وجه البوابات الإلكترونية ورفضوها بلا عنف، وإنما بقوة وصمود وإصرار على الحق، لدرجة أن قنوات الفتنة وأحزاب المفرقعات لم تستطع أن تفعل شيئاً ولا تلعب على أوتار التحريض.
وفي المقابل تحركت الدول العربية الكبيرة، وليس تركيا أو قطر الملوثة أياديهما بمصافحة المحتل، واللتان لا تملكان إلا لغة الشعارات والصراخ، ولا نرى أي نتيجة لأفعالهما إلا تكريساً لمزيد من الشعوبية والغوغائية التي تضيع معها الحقوق، أما الكبار فأفعالهم تأتي بالنتائج وتدخل الفرح في قلوب الفلسطينيين، وهذا ما فعله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فقد نجح بعد القيام باتصالات مع العديد من زعماء العالم في إنهاء إغلاق المسجد الأقصى، وتم ذلك، وعادت الطمأنينة للمصلين، بعد أن تمكنوا، بالأمس، من أداء الصلاة في المسجد، وستعود الطمأنينة لأهلنا في غزة، بعد أن يطرد أهلها الدخلاء والمتاجرين بقضيتهم ومن فرق بين أبناء الشعب الواحد وجعلهم يحملون السلاح ضد بعضهم بعضاً.
ونجاح خادم الحرمين الشريفين في إنهاء قيود الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى، يؤكد دور ومكانة المملكة المركزية في قضية فلسطين، ويؤكد المسؤولية التاريخية التي تتحملها في خدمة الإسلام والمسلمين.
من أكثر المشاهد المؤثرة التي سيسجلها التاريخ في هذه الأزمة، أن الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين وقفوا صفاً واحداً في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ورأينا المسيحي يقف وسط صفوف المصلين المسلمين حاملاً كتابه، في تحدٍ شجاع للإجراءات الإسرائيلية الاستفزازية، فكانت هذه رسالة للمحتل، وفي الوقت نفسه رسالة للجانب الآخر من الفلسطينيين المتحزبين الذين حاولوا شق الصف الفلسطيني المسلم بين فتح وحماس، فجاء الرد عملياً من فلسطيني مسيحي، بأننا شعب واحد ونقف في وجه عدو واحد.
هذا المشهد، بلا شك، أزعج الكثيرين، وخصوصاً تلك الدولة التي صرفت مئات الملايين من الدولارات لشق الصف الفلسطيني، وها هي تجني الفشل بعد أن ذاقت طعم المقاطعة.
وفي مقابل ذلك المشهد الذي يدعو للفخر، رأينا مشهداً مؤسفاً، بل ومخزياً، عندما حاول وزير الدفاع القطري خلال مقابلة تلفزيونية أن يتاجر بقضية المسجد الأقصى وبشعائر المسلمين في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وتجرأ على أن يقارن الإجراءات الإسرائيلية ضد المصلين في القدس بحج القطريين، ويدّعي أن ما تقوم به السعودية من منع للحجاج القطريين لا يختلف عما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي! وهذا من أغرب بل من أسوأ ما يمكن أن يقوله عاقل، ونتساءل هل يعتقد النظام القطري أن حج القطريين لن يُقبل إلا إذا وصلوا مطار جدة أو مطار المدينة عبر الطيران القطري؟ أو عن طريق الحدود البرية لقطر؟!
غريب أمر المسؤولين القطريين الذين يصرون على تسييس شعائر الحج؟! فالمملكة العربية السعودية أكدت للمرة الألف أن لا علاقة للحج بالأزمة مع قطر، وكل قطري لديه الإذن بأداء مناسك الحج ما عليه إلا أن يتوجه إلى المطارات المحددة للحجاج، وعبر أي خطوط طيران في العالم، ما عدا القطرية والإسرائيلية، أما غير ذلك مما يردده بعض الأشخاص في قطر فلا أساس له من الصحة، وليس هدفه إلا الإساءة للمملكة وتعطيل الحجاج القطريين وإرهاقهم وإقحامهم في أزمة سياسية يفترض أن تتحمل الحكومة القطرية مسؤولية حلها وإراحة المواطنين والمقيمين من تفاصيلها ودهاليزها.