بقلم : منى بوسمرة
قيل في الأمثال: «إذا لم تكن متحدثاً صادقاً، فعليك أن تكون مزوّراً حاذقاً»، لكننا مع قطر حصراً نجد أننا أمام إعلام فقد الحد الأدنى من الصدق والموضوعية، بل إنه فقد مهارته المعهودة في التزوير باحتراف.
الذي يحلل مضامين الإعلام القطري، سواء عبر قناة وموقع الجزيرة، أو عبر صفحات الجزيرة التي تم تأسيسها على صفحات التواصل الاجتماعي باسم كل دولة عربية على حدة، أو حتى عبر الصحافة القطرية، إضافة إلى المواقع التي يديرها عرب وأجانب في بريطانيا وتركيا ودول أخرى، عبر واجهات معروفة أو أسماء لإعلاميين محسوبين على خط الإخوان، أو حتى يتلقون دعماً مالياً من خزائن الدوحة المنهوبة، يكتشف ببساطة منسوب الكذب الذي يتم ترويجه باعتباره حقائق في سياق صناعة صورة انطباعية عن قطر، وتشويه من تراهم الدوحة خصوماً لها.
نستعرض ثلاثة نماذج لندلل على فشل الدوحة بصياغة صورة انطباعية صادقة، ومن أبرزها ما نشره الإعلام القطري من آراء منسوبة إلى مواطنين إماراتيين ينددون ببلدهم، ويسيئون إليه مع نشر صورهم وأسمائهم، وتبين لاحقاً أن لا علاقة بين الأسماء والصور، وأن هؤلاء لم يصرحوا أساساً لهذه الصحف، وأن الدوحة اختارت صوراً عشوائية ووضعت أسماء إماراتية، محاولةً التزوير بشكل فاضح ورخيص، في دليل على هشاشة إعلامهم والغرفة الأمنية – السياسية التي تدير هذا الإعلام بطريقة لا تليق حتى بطلبة فاشلين.
النموذج الثاني تصريحات مزورة نسبت إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتحميل هذا التصريح المزوّر على رابط مزيف للشقيقة صحيفة الاتحاد، ونشر كل هذا الكذب الذي يتناقله جمهور من المصفقين للدوحة، لا يميزون ولا يقارنون ولا يعودون حتى إلى موقع الصحيفة، فهذا زمن الدهماء بما تعنيه الكلمة، وهم الدهماء ذاتها الذين حالفوا أنظمة سابقة، فما وجدتهم عند ساعة الحساب، بل فروا بعيداً طمعاً بالنجاة.
يأتينا النموذج الثالث وهو الأكثر حساسية، إذ تروّج الدوحة صورة معينة تخص أميرها وتخص دورها، باعتبار أن الأمير تميم هو صلاح الدين الأيوبي الثاني المؤهل لتحرير القدس، وأن قطر هي حامية الإسلام والمسلمين، ومربط فرسان أبطال هذه الأمة، وهي وحدها ناصرة الشعب الفلسطيني وعدوة إسرائيل.
المثير هنا أن هذا الكذب قد ينطلي على نفر قليل لا يريد أن يرى بعينه العوراء إلا ما يهواه قلبه، ويتعامى عن كل علاقات الدوحة مع إسرائيل، وهي العلاقات السرية والعلنية الموثقة بالصور والاجتماعات، وهي العلاقات ذاتها التي سخرتها تل أبيب من أجل وضع حماس في الحضن القطري والتحكم فيها، وتحويلها إلى حركة لها مهام وظيفية أخرى أبرزها العبث بمصر وليبيا، والتسبب في شرخ المشروع الوطني الفلسطيني، عبر التحوصل في غزة والتسبب لأهلها في بلاءات عز نظيرها، وهي غزة ذاتها التي أوقعتها الدوحة في حرب مواجهة مع الاحتلال، فتم تدمير آلاف البيوت واستشهاد الآلاف.
لكنها الدوحة، التي لها علاقات سياسية وأمنية مع إسرائيل، يصفق لها جمهورها ويراها مؤهلة لتحرير القدس، فيما تنام هي في حضن الإسرائيليين، وتقدم صورة انطباعية لها، باعتبارها راعية الفلسطينيين الأولى، في سياق رغبتها في التعمية على الدول العاقلة، مثل الإمارات والسعودية، وما قدمته تاريخياً للشعب الفلسطيني دون متاجرة أو مزاودة أو مقايضة على مصالحهم مثلما تفعل الدوحة.
كل هذا الكذب لن ينفع الدوحة، فحتى الحروب المعنوية والنفسية لها خبراء، لا نراهم في الدوحة التي تمتهن اليوم مهنة التزوير، وليتها تفلح بها.