بقلم : منى بوسمرة
في حادثة تكشف الفهم العميق لدور الإعلام وحاجاته، حين خاطبت مدينة دبي للإعلام مجموعة إعلامية كبرى لاستضافة مقرها في المدينة، ردت المؤسسة مستفسرة عن الشروط، فردت دبي: بل ما هي شروطكم أنتم؟ موقف يلخص رؤية دبي للإعلام ودوره، واشتراطات عمله، وإيمانها بحريته.لذلك لم يكن غريباً أن تسارع المؤسسات الإعلامية العربية والعالمية للاستفادة من بيئة دبي الإيجابية، ليس أولها البنية التحتية والتسهيلات اللوجستية، وليس آخرها عدم التدخل في شؤون تلك المؤسسات، وهي معادلة لا ينتج عنها إلا الإبداع والنجاح.
منذ عقدين، ودبي عاصمة الإعلام العربي، من خلال حجم النشاط والفعاليات التي تؤثر في المشهد الإعلامي، ومن خلال عدد المؤسسات التي تتجاوز اليوم 4000 مؤسسة إعلامية عربية وعالمية، والاختيار الذي أعلنه مجلس وزراء الإعلام العرب، ما هو إلا تكريم للجهد المتفهم والواعي لرسالة الإعلام، وتقدير لاستراتيجية دبي الإعلامية التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد قبل 20 عاماً، وهي الرؤية التي نقلت الإعلام العربي إلى المنافسة العالمية من أرض عربية، من دون أن تغفل عن ضمان حرية التعبير، والتعامل معه أيضاً باعتباره استثماراً لا يقل القطاعات الأخرى.
في ظاهر الأمر، يبدو الاختيار تكريماً، لكنه في جوهره، مكسب وطني، ومسؤولية قومية، واعتراف بعمق التجربة وجاذبيتها ونجاحها، لذلك يبدو ضرورياً أن يترافق هذا الاختيار مع جملة من المبادرات الخلاقة من المؤسسات الإعلامية الوطنية تمنح الاختيار جدارة إضافية بأهلية دبي وأحقيتها، في أن تكون عاصمة إعلامية، بما تحمله هذه الكلمة من دلالة تمنح دبي مسؤولية إضافية في تقديم المزيد من أجل الإعلام العربي ووضعه على طريق الانتماء للمستقبل، خاصة أنها مهيأة باحترافية عالية لاستضافة كل الفعاليات التي يستدعيها اللقب الجديد لدبي، وهي التي تنظم سنوياً ومنذ 20 عاماً منتدى الإعلام العربي وجائزة الصحافة العربية وتصدر تقرير نظرة على الإعلام العربي، وهما أبرز وأهم الأحداث الإعلامية العربية.
بالأمس قال الشيخ محمد بن راشد: «علمتني الحياة بأننا في زمن نحتاج فيه للكثير من العمل والقليل من الجدل، نحتاج حولنا مزيداً من الحكماء لا السفهاء، وبأننا في زمن حفاظنا على مكتسباتنا هو أهم مكاسبنا، وتوحيد القلوب أحد أهم خطوط دفاعاتنا، والحفاظ على عقلانيتنا أفضل خطة في زمن كثر فيه الغوغاء»، وكأنه يخاطب الإعلام العربي بتبني الخطاب الإعلامي المتزن والاحترافي والموضوعي والعقلاني والواضح، الخطاب الذي يحمل مضامين ترتقي بالشعوب، وتوحد رسالتها، وهي تبني خطوط دفاعها أمام الغوغاء والتطرف والجهل والتعصب.
لذلك نحتاج عربياً إلى نموذج إعلام يدعو إليه الشيخ محمد يتبنى ترويج قيم تحقق الإنجازات، مثل قيم العمل والتنافسية والإنتاجية والتفاني والتضحية والاعتدال والتسامح وقبول الاخر والتعلم واحترام القوانين والعادات والفخر بالوطن وهويته وقدراته على استئناف الحضارة. لدى الإعلام العربي فرصة مثالية، للاستفادة من لقب دبي الجديد، ليس فقط بسبب بيئتها التي يتعطش لها الإعلام، بل لأن دبي صانعة أحداث وصديقة للإعلام، ولعل تزامن اللقب مع انعقاد إكسبو 2020 دبي فرصة على الإعلام العربي أن استغلالها لتقديم الصورة الحقيقية للعالم عن المنطقة، ونفي تلك الصورة التي يحاول التطرف أن يقدمها إلى العالم، والكشف عن مخزونها الإنساني والحضاري، عبر منصات دبي الإعلامية العالمية، التي تحمل اليوم وشاحاً عربياً تفخر به كرصيد وطني يرفع اسم الإمارات.