بقلم - طارق الشناوي
هل أنت من أنصار «خليك بالبيت» على طريقة فيروز تأليف جوزيف حرب وتلحين زياد رحبانى التى صارت هى دستورنا الأشهر فى العالم العربى، بينما كان أغلبنا قبل الجائحة يردد مع محمد عبدالوهاب والشاعر مأمون الشناوى «انسى الدنيا وريح بالك»، حيث كان عبدالوهاب فى فيلم «رصاصة فى القلب»، يؤدى دور الشاب العابس محسن «اللى ضاربها صارمة»، بينما تتهافت عليه من كل صوب وحدب الجميلات.
الأمر لم يعد اختيارا شخصيا، يتيح لك ببساطة أن تنسى الدنيا، هناك آخرون، دُنياك هى دُنياهم، ومن حقهم مراجعة قرارك، «التدخين مسؤولية كل مدخن» لو كان المدخن ينفث الدخان منفردا فى الهواء الطلق، طالما تواجدت بجوار الآخرين بات عليك أن تسحقها تحت قدميك. مع مرور الأيام سيبدأ الإنسان فى مراجعة الكثير من مواقفه، التى كان لا يرى فيها سوى نفسه، عندما يكتشف أنه لا يدفع فقط الثمن، إنه الوجه المضىء لتلك الجائحة. نقطة البدء هى ابدأ بنفسك، هل تتذكرون تعليمات المضيفة فى الطائرة- أتمنى ألا يطول انتظارنا أكثر من ذلك قبل أن نسمعها مجددا- التعليمات هى أنك لو كنت تجلس بجوار ابنك الطفل أو الرضيع وحدث هبوط فى الأكسجين سوف تهبط عليك من السقف كمامة لك ولابنك، ابدأ بنفسك أولًا وبعد ذلك ابنك؟ ليست مفاضلة ولكن حتى تُحكم وضعها لأقرب الناس إليك، يجب أولًا أن تُحسن وضعها على وجهك، تلك الأمور صارت ملزمة ولا تتيح لك أى مساحة للمفاضلة.
الأسابيع تتوالى. مؤكد لن تصبح كل أيامنا على هذا النحو، سوف نجد مخرجًا، المصل قطعًا والذى يتراوح زمن اكتشافه من عام إلى عام ونصف العام، هو الحل الجذرى، ولن تصبح هناك كورونا بعد السماح بتداوله، ولكن قبل ذلك هناك الدواء الناجح والذى بدأ يتواجد عالميا بالأسواق، إلا أن ما نراه هو أن الناس لم تتوقف، الكل يحاول أن يجد فى ملعبه متنفسًا، المطرب الذى يقدم حفلات أسبوعية (أون لاين) مثل على الحجار، والفنان التشكيلى الذى يقيم معرضه (أون لاين) حسين نوح، وعدد من الجرائد أنهت تماما علاقتها بالأوراق، وصارت هى أيضا (أون لاين)، كل الاجتماعات التى أحضرها حاليا نتوجه فى نهايتها بالشكر لـ(واتس آب) و(سكايب) و(زووم).
هل تأقلمت مع تلك البدائل؟ أكيد جيلى أو للدقة أغلبه ليس سعيدا، بهذا العالم الافتراضى المفروض علينا، فأنا مثلا لم أتخل حتى الآن برغم كل المحاذير عن عادة القراءة الورقية، مثلما كُنت أفعل قبل الجائحة، هل سأتغير مع الزمن؟ مساحة العالم الافتراضى وتشابكنا معه سوف تزداد رغمًا عنا. سنجد أمامنا عالما جديدا واقعيا افتراضيا فى آن واحد، وهو نتاج شرعى ومنطقى من توابع كورونا، هناك مثلا عروض سينمائية وأسواق فى المهرجانات بعد انقشاع الأزمة ستتوجه سريعا إلى تلك المنطقة المتوسطة (واقعية افتراضية)، نعم لن نظل بعد عدة أسابيع- أتعشم ألا تطول- ملتزمين بنهج فيروز (خليك بالبيت)، ولكننا أيضا لن نردد مع عبدالوهاب (انسى الدنيا)، لأن الثمن سيصبح هو أن تنسانا فعلا الدُنيا!!