بقلم : طارق الشناوي
أغنية مجهولة (المولد) رددتها ليلى مراد فى فيلم (ليلى بنت الفقراء)، أول أفلام المخرج أنور وجدى الذى قرر أن ليلى هى الهدف الأسمى له وتزوجها فى المشهد الأخير. لست أدرى لماذا لا يحظى الفيلم بتواجد عبر الفضائيات، قال البعض إن هناك معوقات قانونية فى ملكية النسخة، تلقيت قبل يومين من زميلى الصحفى والإعلامى محمود التميمى بمناسبة عيد ميلاد ليلى مراد 103 شريطًا لفيلم تسجيلى أعده عن ليلى قبل 15 عامًا، احتوى على تلك الأغنية.
كان التميمى قد عرض الفيلم فى برنامج (البيت بيتك) إشراف الإعلامى والكاتب الصحفى الكبير محمد هانى، انطلق البرنامج 2004 فى عهد وزير الإعلام د. ممدوح البلتاجى وازدهر فى عهد أنس الفقى، البرنامج أحدث نقلة نوعية فى برامج (التوك شو) عبر كل الفضائيات.
وقت تصوير (ليلى بنت الفقراء) 45 كانت ليلى تعتنق اليهودية، أشهرت إسلامها عام 46، كانت تغنى للسيدة زينب، وتقول بكلمات بيرم التونسى والتى مزج فيها فى بعض مقاطع لأول مرة الفصحى بالعامية (بنت بنت نبينا)، وهو إعلان مباشر عن الإسلام، وتقبل الجمهور الأغنية بلا أى الحساسية، ولا أى قدر من الدهشة، سترى الشيخ زكريا ملحن الأغنية يشارك بالإنشاد مرتديًا زيه الدينى، المشهد مقدم بألق ساحر، وأعاده أنور وجدى فى آخر لقاء سينمائى جمعه مع ليلى مراد فى (ليلى بنت الأكابر) فى أغنية (يا رايحين للنبى الغالى).
لست بحاجة للعودة للأرشيف، حتى ندرك طبيعة المجتمع الذى اعتنق التسامح، وشعاره الدائم (موسى نبى، عيسى نبى، محمد نبى، وكل من له نبى يصلى عليه) النداء الشهير فى الموالد، هكذا كانت مصر حتى منتصف الخمسينيات، فلم يسأل أحد كيف تغنى ليلى مراد لنبى الإسلام وهى يهودية؟!.
كثيرا ما أواجه بهذا السؤال: هل تأثرت ليلى مراد إيجابيًّا بإشهارها الإسلام؟ وهل هى صفقة دبرها أنور وجدى حتى يضمن أن تزداد أرباحه من الأفلام التى تلعب بطولتها؟ لا أعتقد أن شعبية ليلى مراد ارتفعت بعد إسلامها، فلقد وصلت فى النصف الأول من الأربعينيات للذروة الجماهيرية، التى لا ذروة بعدها، الجمهور كان يعنيه فقط الحضور أمام الكاميرا.
عندما نُطل على الماضى القريب نتوقف أمام فيلم (فاطمة وماريكا وراشيل) وحبيبهم يوسف، الفيلم أخرجه فى نهاية الأربعينيات فؤاد الجزايرلى، الدونجوان محمد فوزى يلعب على الفتيات الثلاث وكل منهن تنتمى إلى دين مختلف، وفى عام 54 (حسن ومرقص وكوهين) إخراج حلمى رفلة وهى فى الأساس مسرحية شارك فى تأليفها نجيب الريحانى وبديع خيرى، الريحانى رحل عام 49 ولهذا لعب دوره فى الفيلم حسن فايق أمام عبد الفتاح القصرى وشرفنطح واستيفان روستى.
كان زمنًا لا نحكم فيه سوى على الإنسان، وأغلب هذه الأفلام لم تقدم شخصيات إيجابية بل النصب كان هو الحيلة الدرامية. المجتمع القوى لا يخشى من السخرية؛ فهى الدلالة المباشرة على صحة الشعب اجتماعيًّا، فى 2008 عندما شرع عادل إمام فى بطولة (حسن ومرقص) وقبل أن يبدأ فى تصويره، وحتى لا يثير أى غضب محتمل سارع بعرض السيناريو على البابا شنودة الذى طلب فقط أن تقدم الشخصية الرئيسية أستاذ فى علم اللاهوت وليس أحد رجال الكنيسة.
فى زمن ليلى مراد لم يكن هناك من يُطل على خانة الديانة!!