بقلم ـ طارق الشناوي
تعودت أن أصحو مبكراً، وأنزل الشارع أجلب احتياجاتي، لاحظت أن بائع البطيخ يحضر معه يومياً زجاجة زيت يضع قطرة منها على كل بطيخة، ثم ينشرها على السطح من أجل إثارة شهية الزبائن، هناك اعتقاد راسخ أن البطيخة لامعة القشرة، هي الأجمل (حمار وحلاوة).
هذا العام وجدت لمعاناً لا يتواءم مع حقيقة طعم البطيخ، افتقد أغلبه المذاق الحلو. مثلما نقول (الصيت ولا الغنا)، الأغلبية صاروا من أهل الصيت، والمرادف العصري له هو (التريند)، إنه يشبه الزيت الذي يتم رشه على البضاعة.
دأب البعض على الاستعانة بجيوش إلكترونية، من أجل تحقيق (التريند). الطبيعة البشرية تفضل بنسبة كبيرة، السير في إطار ما تقرره الأغلبية، الإنسان يميل أكثر للوقوف في الطابور الذي سبقه إليه آخرون، الناس تثق في ذائقة الناس، في العادة عندما يُعرض أكثر من فيلم جديد، ويجد المتفرج نفسه في حيرة يجعل القرار لما يُسفر عنه الطابور، يختار الأطول ليقف خلفه ويقطع تذكرة الدخول.
كثيراً ما احتدمت المعارك حول الإيرادات. عادل إمام منذ الثمانينيات كان يحرص في حجرته بالمسرح أن يكتب على (السبورة) الأرقام التي تحققها أفلامه، والأخرى التي كانت من نصيب منافسيه، طبعاً عادل كان له دائماً الرقم الأعلى، وهو يقدم بهذه الطريقة رسالة مباشرة لكل من يعمل معه تؤكد أنه الأول.
الأرقام لا أمان لها، ولهذا كان المنتجون يسارعون عادة بنشر الإيرادات التي تحققها أفلامهم مواكبة للعروض في العيد حتى يضمنوا أن الجمهور سيتوجه للفيلم الذي حقق الرقم الأعلى.
التناقض وارد، وبنسبة كبيرة، إلا أن المأزق هو أن المسافة تتسع بين التوقع والواقع، وكلما ازداد صخب الدعاية انعكس هذا سلباً على العمل الفني، لأن سقف التوقعات يتجاوز حدود الخيال، وتأتي غالباً الحقيقة صادمة.
الفنان إذا أراد الاستمرار يجب أن يملك القدرة على القراءة الصحيحة للخريطة التي كثيراً ما يعاد تشكيلها، ولا يتعالى على ما تفرضه عليه، من معادلات جديدة. كان نور الشريف، ومن بعده محمود حميدة، هما الأقدر على استيعاب تلك المفردات، نور كان يقبل أحياناً بكتابة اسمه تالياً لنجم كان هو في الماضي يسبقه، فعل ذلك مع عادل إمام ومحمود عبد العزيز، في بدايات المشوار، كان هو يسبقهما، ثم حدث أن صعد اسما عادل ومحمود، وصارا الأكثر طلباً، فوافق على أن يسبقاه في الأفلام المشتركة بينهما. المطربة منيرة المهدية، التي لقبوها بـ(سلطانة الطرب)، كانت في العشرينيات وحتى مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي هي الأكثر جماهيرية، ولكنها لم تتطور فنياً، وصعدت أم كلثوم للقمة، أرادت منيرة العودة مجدداً في الخمسينيات، جندت العديد من الأقلام من أجل تلميعها والتبشير بعودتها الميمونة، مؤكدين أنها في طريقها لكي تسترد عرشها الغنائي المفقود من أم كلثوم، وقدمت حفلاً غنائياً فكان هو حفلها الأخير. مؤخراً كثير من التوقعات واكبت عودة نجمات التمثيل في الزمن الجميل، الكل ترقب ما الذي سوف يسفر عنه اللقاء الذي وصفوه بالسحاب، جاءت النتائج بعيدة تماماً عن التوقع. جرعة الزيت يجب أن توضع بقدر مقنن، قشر البطيخ اللامع لا يضمن أبداً بعد إعمال السكين أنها (حمار وحلاوة)!!