بقلم : محمد أمين
قمت بعدة رحلات داخلية فى فترة الكورونا.. ورحلاتى كلها داخلية بالمناسبة وسياحية فى المقام الأول.. وهى إعادة اكتشاف كنوز مصر.. آخر هذه الرحلات، رحلة أسوان والنوبة، من أجمل الرحلات.. وفى هذه الرحلة لازم تروح السد العالى ورمز الصداقة المصرية السوفيتية ومعبد كلابشة.. والمصريون شغوفون بالاطمئنان على النيل هل يتأثر أم لا؟.
المهم زرت بيت الوالى فى كلابشة، وركبنا مركبًا فى النيل، وتحرسنا طيور النورس، فسألت واحدة دمها خفيف: أومال فين بيت الوالية؟.. وضحكنا بالدموع.. وقال المرشد: ده بيت الوالى يعنى الحاكم، فسألت: وليه مفيش والية؟.. قال لها البداية من حتشبسوت، التى حكمت مصر وتشبهت بالرجال.. وارتدت الزى العسكرى، وركبت العجلة الحربية، ولها معبد شهير فى الأقصر، وتجاوزت مسألة التقسيم بين الرجل والمرأة.. فى مصر القديمة لم يكن هناك فرق بين الرجل والمرأة ولا أى شىء.. الجدارة كانت للتميز!.
وأعترف بأن المصريين منذ قديم الزمان وحتى الآن يعشقون النيل ويبنون مساكنهم ومعابدهم على ضفاف النهر الخالد. وأعظم المعابد كانت على النهر، الذى كانوا يعتبرونه مقدسًا، ويحافظون عليه، ويقسمون ألّا يلوثوه.. وهى من أشهر مواد الدستور فى مصر القديمة.. وكم تمنيت أن يعامل الأحفاد النيل بقداسة كما عامله الأجداد!.
الطريف أننا فى زيارة سابقة للسد العالى، تكاسل مهندسو الرى عن الشرح والإرشاد، ووقف أحد الباعة يشرح لنا ويؤكد بثقة أن إثيوبيا لن تستطيع المساس بالنهر.. فاقتربت أسأله: حضرتك مهندس رى؟ قال: لا أنا ببيع الحاجات دى.. وهى من منتجات النوبة.. فقلت: مين مدير المكتب هنا؟.. قال: يا باشا والله هو ده كلامهم أنا ماجيبتش حاجة من عندى.. وهو يكشف عن ثقته فى الوطن والقيادة السياسية أكثر من أى شىء آخر!.
إيمان المصريين بالنهر منذ زمان وكتاباتهم على المعابد ودستورهم تشكل قوة ضغط هائلة على دول حوض النيل.. ومصر أيضًا تحتضن دول النهر فى متحف النيل وتاريخنا فى الحروب وتسيير الجيوش.. كل هذه العوامل سيكون لها تأثيرها دون أن نطلق رصاصة واحدة!.