بقلم - مصطفى فحص
من تاريخ 20 ديسمبر (كانون الأول) 2021 موعد تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وحتى 18 يونيو (حزيران) من العام نفسه موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، سيخوض النظام الإيراني معركة إعادة ترتيب بيته الداخلي؛ استعداداً لاستحقاقات داخلية وخارجية معقدة وكبيرة، قد تتسبب في تغيرات ترتبط بكل ما يتصل بطبيعة النظام وصناعة قراره وأدوات تأثيره ونفوذه.
طهران الحائرة تواجه صعوبة في اكتشاف حلول مبكرة تساعدها على معالجة معضلات سياسية اقتصادية واستراتيجية ستواجهها مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فملامح علاقتها مع المقيم الجديد في البيت الأبيض لم تتبلور بعد، وهي مرهونة بإعلان بايدن عن أسماء إدارته، وعلى الرغم من تفاؤل طهران الحذر، لكنها على ما يبدو لم تعد تراهن على تيار أوباموي ضمن فريق بايدن السياسي؛ لذلك تقترب من الذهاب إلى خيارات مختلفة عن تلك التي اتخذتها في مرحلة التفاوض مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وأول علامة تحوّل نحو التشدد في ملفات التفاوض، أنها تتَّجه إلى إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن القومي، بعد أن نقله الرئيس حسن روحاني في عام 2013 إلى الخارجية ووضعه تحت إدارة وزير خارجيته جواد ظريف.
الدعوة إلى إعادة الملف إلى المؤسسات التي يسيطر عليها التيار المحافظ جاءت على لسان المكتب السياسي لـ«الحرس الثوري» عبر مجلته الأسبوعية «صبح صادق»، في مقال نشر في عدد يوم الاثنين. اعتبرت المجلة أن «إعادة ملف إيران النووي إلى المجلس الأعلى للأمن القومي سيمنع استمرار الخسائر بسبب الاتفاق النووي».
هذا التحرك الاستباقي من قبل الحرس الثوري والتيار الراديكالي هدفه قطع الطريق على الرئيس حسن روحاني وفريقه التفاوضي في الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية؛ حتى لا يتمكَّن من فتح ثغرة في جدار العلاقة مع واشنطن تؤدي إلى التأسيس لأرضية تفاوضية مع إدارة جو بايدن تكون قاعدة لمرحلة جديدة من المفاوضات، خصوصاً أن روحاني عبّر أكثر من مرة عن ترحيبه بانتخاب بايدن، واعتبره فرصة لإعادة ترميم العلاقة مع واشنطن.
التوجس الإيراني من المرحلة المقبلة دفع قيادة النظام نحو التشدد، الذي ظهر في الشروط المسبقة التي وضعها المرشد على الإدارة الأميركية الجديدة، وطالبها بتطبيقها قبل انطلاق أي جولة من المفاوضات، وليس من المستبعد أن يكون خيار المرشد التصعيدي هو وضع شروط صعبة أمام إدارة بايدن تجبرها إما على ضرورة التراجع عن شروط وزير الخارجية الأميركي بومبيو، حيث لا تقوم طهران بالتراجع عن شروطها إلا إذا قامت واشنطن بخطوة مماثلة، كما أن السقف المرتفع للمرشد رداً على بعض الأصوات المتحمسة لانتخاب بايدن والدعوة إلى ضرورة التواصل مع إدارته، فيحاول المرشد فرض بيئة سياسية موحدة في رؤيتها للعلاقة مع واشنطن، بعيداً عن الانقسام التقليدي بين أجنحة النظام، خصوصاً أن التيار المعتدل سيخسر حضوره في الدولة، كما خسر قبله التيار الإصلاحي، حيث بدأت ملامح طبيعة واحدة تتشكل داخل مؤسسات الدولة.
مهما كانت الإدارة الأميركية منفتحة على التفاوض مع طهران حول ملفها النووي وملفات أخرى أكثر تعقيداً، إلا أن الشروط التي وضعها المرشد على واشنطن لا تتناسب مع موقع طهران على طاولة المفاوضات؛ فهي ليست قادرة على فرضها، وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن المرشد وضع هذه السقوف العالية خارجياً لأسباب داخلية، في مقدمتها تماسك النظام وشرعيته التي تعتمد على معاداة واشنطن بصفتها «الشيطان الأكبر»، حيث ستكون شرعيته على المحك إذا نجح فريق بايدن في انتزاع تنازلات مؤلمة تؤثر مستقبلاً على طبيعة النظام الذي يحاول قدر الإمكان تجنب صراع مراكز القوة داخل المعسكر الواحد، المُعرّض للانقسام نتيجة خلافات بين «الحرس الثوري» المتهم بعسكرة الدولة، وحليفه التيار الراديكالي الذي يخوض معركة شرسة من أجل الحفاظ على موقعه، خصوصاً معركة رئاسة الجمهورية بعدما سيطر جناح الحرس على رئاسة مجلس الشورى ومجلس القضاء الأعلى.
وعليه، فإن فريق بايدن سيختلف حتماً عن أسلافه، فلن يعيد تجربة أوباما الذي تراخى مع طهران لدرجة التسليم برغباتها، أو التشدد المطلق على طريقة ترمب في معاقبتها لدرجة كسرها، فالخطر الداخلي الذي ستواجهه طهران مع بايدن يكمن في أن المفاوضات التي لم يعد ممكناً حصرها في الملف النووي فقط، وعلى الأرجح أنها ستتوسع لتشمل ملفات داخلية لها علاقة بحقوق الإنسان، وخارجية مرتبطة بوكلائها؛ الأمر الذي سيجرد النظام من ذرائعه العقائدية التي تبرر شرعيته.