بقلم - فـــؤاد مطـــر
بصرف النظر عما إذا كانت العجلة القضائية الثورية في إعدام الشاب الإيراني روح الله زم، شنقاً، يوم السبت 12 ديسمبر (كانون الأول) 2020، دفعة أُولى أو دفعة على الحساب بلغة أهل التجارة، للرد على الاغتيال اللغز للعالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في مكمن قرب العاصمة طهران يوم الجمعة 27 نوفمبر (تشرين الثاني) من «عام كورونا»، تسمية افتراضية لعام 2020، مقرونةً ببقية ثأر لاغتيال قاسم سليماني لا يتناسب مع وعيد المرشد علي خامنئي، وجنرالات حرسه الثوري بما يعني أن الثأر مرجأ إلى حين...
بصرف النظر عمّا إذا كان غليان النفس من أجْل الثأر للذراعين القويتين للنظام: ذراع الحرس التي استعملها الجنرال سليماني خارج إيران وبالذات حيث هنالك تربة مذهبية شيعية في أوطان مغلوب على أمرها مثل لبنان واليمن والعراق وفلسطين الغزاوية أو صغيرة ومحسودة مثل البحرين، والذراع التي حققت تقدماً نوعياً على الصعيد النووي... فإن شنق الناشط الاجتماعي كان أمراً مستغرباً من جانب نظام ديني غلبت على أُولي الأمر فيه نزعة الاستبداد ورفض الصوت الآخر على الروحانية الدينية. ونحن نقول ذلك على أساس أن الذي تم إزهاق روحه شنقاً هو ابن رجل دين مثل الكوكبة التي توزع شيوخها وسُيادها على مقاليد السلطة في إيران، ويحمل اسم «روح الله». ولَكَم هو أمر مكروه أن تقول الصحف وبعناوين بارزة داخل إيران وخارجها في الدول الإسلامية والأجنبية ومعها الفضائيات عند نشر وبث نبأ الحدث المستهجَن «إعدام روح الله...» أو «شنق روح الله...»... ولا يبرر ذلك على الإطلاق أن هذا الاسم شائع في إيران، بل إنه كصفة ارتبط باسم الخميني نفسه.
ما علينا أي تفسير أو تبرير للواقعة المستهجَنة. ولكن المسألة تبقى في مدار الاستهجان وإلى درجة الافتراض أن أي مسلم يلفظ عبارة إعدام روح الله تنتابه قشعريرة يرفقها فوراً بالقول: أعوذ بالله من جهالة هذا المترئس السُّلطة القضائية كيف لم يتحاصف، وأعوذ بالله مرة واثنتين وأكثر من المتربع على قمة النظام ومن الجالسين حوله وكلهم مستغرقون في الثورية الدينية، كيف هؤلاء بدوا مبتهجين بأن حبل العدالة الثورية أصاب «روح الله» في إزهاق أنفاسه.
قد يكون التردد في تنفيذ الثأر الأكبر لجنرال الحرس وبعد ذلك لصانع الحلم النووي الذي بات في مرحلته الحاسمة قد أحدث هذه الغفلة لدى أهل القضاء ومعهم أهل السُّلطة في أعالي درجاتها، ورأى هؤلاء أن «إعدام روح الله» كفيل بالتقليل من مشاعر الخيبة لدى الناس من النظام الذي ملأ دنياهم تحذيرات وإنذارات لأميركا وبحيث يصبح احتساب شنق الناشط الشاب بمثابة قربان يصون الثورة ووقْف أفعال دويلاتها وصرْف النظر عن مخططات تحرشاتها وإبلاغ منابرها الخارجية بأنه من غير اللائق الإساءة لقائد عربي له، أباً عن جد، أفضال على القضايا التي تهم الأمة، ومن دون الأخذ في الاعتبار احتضانه لقضية القدس.
هذه الإساءة من جانب منبر للنظام الثوري، مرشداً وحرساً ورئيساً، حضور فيه وتأثير عليه، تجعلنا نتساءل: إذا كانت أبيات من الشِّعْر استحضرها الرئيس رجب طيب إردوغان أقامت قيامة أهل النظام في إيران، فلماذا لا يأخذ هؤلاء في الاعتبار ما درجت الدويلات الإقليمية بالذات على التباري في توصيفات مسيئة في حق كيانات ومقامات فيضع حداً لها بأمل أن تستقيم العلاقات؟ ونقول ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن الخميني وكذلك خامنئي يقرضون الشِّعر وعلى نحو ما سبق أن أشارت إلى ذلك الزميلة منال لطفي في عدد 5 يناير (كانون الثاني) 2007 من «الشرق الأوسط» مرفِقةً الإشارة بأبيات شِعْرية لكل منهما. والغرض من تذكيرنا هذا أن قارضي الشِّعْر يستقبلون أبيات أقرانهم مباشرةً أو من يستشهد بأبيات من قصائد لهم، على نحو ما فعل الرئيس إردوغان، بالإعجاب... أو إذا كان لا بد من الرد فبأبيات. وكون المرشد قارض شِعْر فلتكن الأبيات الشِعْرية بديلاً للاحتجاج الحكومي الشديد اللهجة، مع ملاحظة أن خامنئي وكذلك الخميني من أهل الفضاء الشِّعْري الصوفي. لكن مَن يقول أبياتاً كتلك المنسوبة إلى الاثنين يستطيع أن يقول ما في الخاطر من أبيات تستهدف الرد على غير التحية الشِّعْرية، الإردوغانية هنا، بمثلها.
هنا يصبح استحضار بعض أبيات شِعْرية للاثنين تأكيداً لما نقوله. فمن أشعار الخميني:
يا نقطة عطف سر الوجود... إنْ طردْتني من البال لأدخلنَّ من البيت... لأخترقنَّ الحائط... لقد غادر جنون العِلْم والعمل رأسي... حين أيقظني قدحك الملآن.
ومن أشعار خامنئي:
مبتهج أنا من حزن يحتفي في صدري... حالي مثل شَعْرك الغجري في مجلس أُنسك ووصْلك... لا أتحدث عن شيء مثل مرآة... الآن إذ أفكر في السنوات التي مضت... أشعر بالندم... أشعر أنني نادم على ندمي... طوال عمري ما رأيتُ شخصاً أكثر انكساراً من نفسي.
يا حبذا لو يمارس المرشد علي خامنئي صوفيته ويبدأ ونحن على أبواب عام جديد التأمل في أحوال الدول التي باتت مرشحة لتكون دويلات بهمّة أذرعه على أنواعها، وكيف كانت هذه الدول قبل تثويرها، ثم أي سوء أحوال باتت عليه بفعل المشروع الإيراني، كما كيف كانت دمشق وبيروت وبغداد في أحسن حال قبْل أن يحوّلها إلى تجارب ميدانية تؤذي الآخرين. كما أيضاً يا حبذا لو يتأمل في الوقت نفسه، ما دامت المنطقة مع بداية عصر أميركي - أوروبي جديد، فيما أصاب إيران من إخفاقات. ويا ليته لم يفعل «روح الله» شنقاً ويتذكر أي حال انتهى إليه جاره العراقي الذي لو لم يصر الرئيس صدَّام حسين على إعدام بازوفت لكان فتح حواراً مع أميركا وبريطانيا... وبالحوار تستقيم الأمور إذا واكبتْها نيات طيبة.
ومرة أُخرى إن المرء تنتابه قشعريرة عندما يقرأ أن الجمهورية الإسلامية وبإرادة مرشدها وعلماء الدين فيها ومعهم حرسها الثوري علَّقوا - يا للهول - رقبة «روح الله» في حبل ولفظت روح الشاب الذي يحمل اسم الباري عز وجل أنفاسها