بقلم - حسين شبكشي
تنعقد قمة دول العشرين التي تستضيفها المملكة العربية السعودية، وسط تحديات عصيبة وصعبة، بسبب تفشي جائحة «كوفيد- 19» وآثارها الاقتصادية السلبية والخطيرة.
وتأتي هذه القمة مع بشائر اكتشاف لقاحين جادين ومهمين، تم الإعلان عنهما من قبل الشركتين الأميركيتين المصنعة لهما، بعد مرورهما بالتجارب المختبرية والسريرية اللازمة، ونتج عنهما فعالية تتجاوز نسبتها التسعين في المائة، مما ولد ثقة فورية بهما.
ومن البديهي أن تحتل جائحة «كوفيد- 19» العنوان الرئيسي للقمة المرتقبة، فالجائحة أصابت المنظومة الاقتصادية للعالم بالشلل والارتباك التام، ولا يمكن التفكير عملياً في تحديات أخرى قبل مواجهتها والقضاء عليها باللقاح الفعال، والمنظومة العلاجية واللوجيستية المصاحبة له، التي ستشمل إنتاج اللقاح وشحنه وتوصيله وتخزينه وتوزيعه إلى كافة بلاد العالم، بشكل ناجح وفعال، وهو التحدي الذي وصفته شركة «لوفتهانزا» العملاقة للشحن، والتي سيكون لها نصيب مهم جداً من إنجاز هذا التحدي، بأنه أحد أكبر وأهم وأخطر التحديات في تاريخ الشحن الجوي.
وتأتي هذه القمة مع الاستعداد لاستقبال رئيس جديد في البيت الأبيض. وكذلك الاستعداد لرحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، من المشهد السياسي العام القادم، وأيضاً مشاركة رئيس الوزراء الياباني الجديد في أول قمة له.
ملفات ملتهبة جداً تواجه المشاركين في القمة الكبرى المنتظرة. أولها - كما هو متوقع بلا أدنى شك - التحدي الاقتصادي الذي يعني الجميع، وهناك أيضاً مسألة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والإجراءات الحمائية الناتجة عنها، والتي أثرت على سلاسة انسياب حركة التجارة الدولية بشكل عام، وقد تفتح مواضيع أمنية بسبب تحركات عسكرية في شرق البحر المتوسط، أثرت على استقرار سوق الغاز، والشيء نفسه من الممكن أن يقال عن صراع أرمينيا وأذربيجان، وفي المشهدين قد توجه أصابع الاتهام بالتحريض إلى تركيا عضو القمة، وملف صراع الحضارات الذي يرمز إليه هذه الأيام بما بين حق حرية التعبير، وحق حماية الرموز والمقدسات الدينية، والذي يعود دوماً إلى واجهة الأحداث، ويتصدر عناوين الأخبار بين الحين والآخر بشكل دموي ومؤسف للغاية.
كذلك من المتوقع أن تنال التحديات المتعلقة بأزمة المناخ العالمي، حصتها ونصيبها من الاهتمام، مع تحول التلوث البيئي وخيارات الطاقة البديلة إلى واقع مؤثر لا يمكن إنكاره؛ بل يتطلب التعايش معه بكل جدية. العالم يأمل في سياسة عمل مشترك يتم التركيز فيه على الصالح العام والمصالح الجمعية، من دون الأهداف الخاصة والأجندات الاستثنائية التي تجعل لدولة الحق في صناعة مجدها مجدداً، على حساب نشر روح عدائية وعنصرية تنتشر حول العالم كالسرطان الخبيث في الجسد الصحيح، فتحدث خللاً مهولاً في السلم الأهلي، أو دول أخرى تحركها أحلام إمبراطورية إمبريالية لإحياء أمجاد سياسية أو عرقية أو طائفية، لا يمكن أن يتحملها العالم الجديد.
إذا كانت هناك من دروس وعبر مبدئية من الممكن استنتاجها من هذه الجائحة حتى الآن، فهي أن كل دول العالم في نهاية الأمر فعلياً في مركب واحد، إذا نجوا فالنجاة للجميع، وإذا غرقوا فالكل هالك، وعليه، أكثر من أي وقت مضى، هناك أمل ومطالبة بأن يكون العمل جماعياً ومشتركاً بين كافة الأعضاء للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية الدقيقة والحرجة وغير المسبوقة في خطورتها وأهميتها، في ظل مخاطر جسيمة وجادة للغاية تواجه قطاعات وبلدان بالإفلاس الحتمي.
السعودية إحدى أهم الدول التي أدارت أزمة «كوفيد- 19» على الصعيدين الصحي والاقتصادي، تستضيف ما تصفه الدوائر الإخبارية بأنها إحدى أهم القمم الاقتصادية في التاريخ المعاصر، استعدت لهذه القمة بشكل استثنائي، وعقدت لأجل التحضير لها مئات من الاجتماعات المهمة للجان فرعية وأساسية، تمت فيها مناقشة أفكار وآراء واقتراحات، ورفعت بعد ذلك التوصيات النهائية في شكل عمل مؤسسي محترم، يمنح صناع القرار الأرضية المعلوماتية اللازمة لاتخاذ المواقف والسياسات اللازمة بشكل حاسم ومطمئن.
انعقاد قمة العشرين في وسط هذه الأحوال المضطربة نجاح كبير جداً في حد ذاته، وكل الأمل أن تخرج بنتائج مهمة، تكون بمثابة طوق نجاة وسط الأمواج المتلاطمة أو شموع نور في نهاية نفق طويل ومظلم للغاية.