بقلم - إميل أمين
ألقى الاتصال الهاتفي الأخير بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الياباني الجديد يوشيهيدي سوغا، والذي جرى قبل بضعة أيام، الضوء من جديد على العلاقات السعودية - اليابانية المستمرة والمستقرة، وفي إطار من التعاون الخلاق وضمن ثلاثية يحرص الطرفان على تنميتها وتعزيزها على مرّ العقود، ثلاثية تبدأ من عند تعايش الأمم، وتمضي مع تعاون الشعوب، وتغلفها روح التسامح، بين الشرق الأوسط والشرق الأدنى إن جاز التعبير.
بدأت العلاقات اليابانية - السعودية في العصور الحديثة من عند الزيارة التي قام بها العام 1938 حافظ وهبة، مبعوث الملك الراحل عبد العزيز لليابان، وذلك لحضور حفل افتتاح أول مسجد في طوكيو، ومن ثم زار المبعوث الياباني لدى مصر ماسا يوكوياما المملكة عام 1939 لأول مرة كمسؤول ياباني، والتقى الملك المؤسس في الرياض.
عززت الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عيد العزيز العام 2014، حين كان ولياً للعهد، إلى اليابان العلاقات الثنائية بين الرياض وطوكيو، ووثقت في واقع الأمر العلاقات الاستراتيجية بين البلدين على مدار السنوات الماضية.
هذه الزيارة كانت قد سبقتها عام 2013 زيارة رئيس وزراء اليابان العتيد شينزو آبي، للرياض، وهناك ألقى الرجل خطاباً تاريخياً ارتكز على 3 مستويات...
الأول؛ يخص التعايش البناء والإيجابي بين الشعبين، ويشير إلى الشراكة الممتدة والقائمة على البحث عن المصالح الثنائية من غير براغماتية مقيتة، وإنما من خلال معادلة الجميع فائز، ومن غير تمايز أممي، أو صراع حضاري قبلي جهوي، إنما عبر دروب العمل الذي يفتح الطرق أمام الأجيال القادمة، رغم أي تحديات سياسية أو معوقات اقتصادية.
الثاني؛ موصول بالتعاون، وقد بات هذا الفعل والعالم على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين فعلاً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، ولا سيما بعد تداخل الخيوط وتشابك الخطوط عولمياً، ما يجعل من التنسيق السياسي بين العواصم العربية وطوكيو مسألة لا مناص منها.
الثالث؛ التسامح، وقد بان جلياً أن المملكة وفي ظل رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد، تفتح الأبواب واسعة وتشرعهاً للقاء الآخر، بعيداً عن إشكاليات الصراع التي لا تضبط حياة ولا توفر أملاً أو رجاء، ويترجم هذا المستوى بنوع خاص على صعيد تبادل الخبرات، ولا سيما بين الطلاب من البلدين.
نجحت الدبلوماسية السعودية بامتياز خلال الأعوام الأربعة الماضية في إعادة بلورة مسارات ومساقات علاقاتها مع جميع العواصم حول العالم، ومنها طوكيو، التي باتت الشريك الثالث للمملكة والشريك الاستثماري الثاني لها في مجال البتروكيماويات، كما ينتظر اليابان كثير من الفرص الاستثمارية في المملكة في العديد من المجالات، من بينها الصناعة والطاقة والبنية الأساسية والخدمات المالية والتعليم والصحة وتطوير القوى العاملة.
تعد المملكة العربية السعودية المورد الأول للنفط لليابان، التي تعد من أكبر المصدرين للمنتجات المختلفة للمملكة، ما يمثل دليلاً واضحاً على أن العلاقات قوية ومزدهرة فيما بينهما.
وتبقى اليابان حليفاً موثوقاً وصادقاً، ولعل مواقف رئيس الوزراء الياباني الجديد، وتنديد حكومته بالهجوم الذي شنته الميليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني، والتي استهدفت منشأة نفطية سعودية في مدينة جدة، دليل على ذلك.
تعطي اليابان أنموذجاً تقدمياً للدولة العصرانية على الصعيد الدولي، فهي اليوم تسعى إلى حركة استقلال على صعيد القرار السياسي، ما يتمثل في الدعوة إلى كتابة دستور جديد للبلاد، وإعادة بناء القوات المسلحة اليابانية، ولا يعني ذلك قطع العلاقات مع الولايات المتحدة بالمرة، وإنما ضبط المسافات بين طوكيو وواشنطن، وبحيث لا تكون هناك فوقية أميركية في التعامل بين البلدين.
ولعل التجربة اليابانية تفتح الباب واسعاً أمام كثير من دول العالم لتعلم ماذا يتوجب أن يكون عليه حال العالم اقتصادياً بعد انتهاء جائحة كورونا، وقد لعبت المملكة العربية السعودية من خلال قيادتها وريادتها لقمة مجموعة العشرين الأخيرة دوراً رائداً في إنارة الطريق للاقتصاد العالمي والتعاون الأممي للخلاص من تبعات واستحقاقات هذا الفيروس الشائه.
ما خاضته اليابان في عقود اليسر، وما تلاها من أزمنة شهدت فيها بعض العسر في النمو، سطور ينبغي إعادة قراءتها، فقد كان أهم ما حرصت عليه طوكيو هو الحفاظ على ثقة الجمهور بسياسة البنوك المركزية، واستيلاد استراتيجيات لتوليد النمو الاقتصادي على نطاق أوسع.
الدرس الياباني المهم الذي تحتاج فيه إلى التعاون مع المعين الاقتصادي والرؤيوي السعودي، لضمان نجاحه حول العالم، يتمثل في إدراك أنه مهما كانت الصعوبات، فإنه يتوجب على البلدان ألا تتخلى عن السعي لتحقيق النمو وأن تفعل كل ما هو ضروري لرفعه إلى المستويات التي تحافظ على التوظيف عالياً، والأجور متزايدة، ومنع الضخم من الهبوط إلى الصفر.
وتبقى المجموعة المشتركة لتحقيق الرؤية السعودية - اليابانية 2030 محوراً مكيناً في تعزيز التعاون بين الرياض وطوكيو عبر دروب التعايش والتعاون والتسامح.