بقلم - جبريل العبيدي
ليبيا اليوم تعاني من خلافات دولية اختلطت بفوضى وخلافات ونزاعات داخلية، مما تسبَّب في عمليات الترحيل المتعمد للأزمة، مصحوباً باستمرار الفوضى والنهب للمال العام، الأمر الذي جعل الناس في هذا البلد يعانون الأمرين، بل ويصبح بعض الليبيين في حاجة لمساعدات إنسانية دولية، وهو الشعب النائم فوق أكبر بحيرة نفط وغاز في شمال أفريقيا، في ظل سؤال متكرر ماذا تحقق من أهداف «الثورة» و«الربيع العربي» (عيش، حرية، عدالة اجتماعية) بعد عشر سنوات عجاف مرت على الليبيين في ظل حكومتين لم تتمكَّنا من حماية رغيف الخبز من غلاء المعيشة وانهيار قيمة الدينار، في مقابل فسادٍ ونهبٍ لأموال الدولة غير مسبوق، وأموال تهدى إلى خزائن دول أخرى، وطغيان طبقة من لصوص خزائن الدولة الليبية والمنتفعين من الأزمة، وتوظيف الفوضى في ليبيا، والساعين لاستثمارها، بل وديمومتها، والتي سبق للمبعوث الأممي السابق غسان سلامة أن وصف حالة النهب الممنهج هذه، بأنها أكبر عملية نهب، وليست سرقة فقط، وشبهها بميلاد مليونير جديد يومياً في ليبيا، وأنه لا يمكن حل الصراع من دون القضاء على نهب المال العام و«الاقتصاد الأسود» الناتج عنه في البلاد.
إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه من قبل بعض السياسيين، هو محاولة لرفض أي تغيير في السلطة التنفيذية، وأن أي محاولة لإجراء انتخابات، هي بمثابة نهاية لامتياز وصولهم إلى خزائن الدولة، إذ في غياب وتغييب الدولة ستبقى ليبيا تُنهب في أموالها المجمدة وغير المجمدة، وحتى استثماراتها الخارجية، فالأموال الليبية المنهوبة تمثل كارثة نهب غير مسبوق.
كما أن محاولة استمرار الوضع على ما هو عليه من خلال عرقلة الحوار السياسي الليبي، الذي ترعاه البعثة الدولية؛ تحدثت عنها ستيفاني ويليامز المبعوثة الدولية إلى ليبيا، وذلك في تصريح لجريدة «الغارديان» البريطانية، إذ وصفت ويليامز معرقلي الانتخابات بـ«الكليبتوقراطيين» (kleptocrats)، وقالت إنهم سيحاولون عرقلة الانتخابات المقررة يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لأنها تشكل تهديداً مباشراً لوضعهم الراهن، وسيقاتلون للدفاع عنه، وقالت: «إن الطبقة السياسية الممتدة عبر خطوط الصراع بين الشرق والغرب في ليبيا، مصممة على الحفاظ على الوضع الراهن، وعدم التفريط في امتياز الوصول إلى خزائن الدولة».
من وصفتهم ستيفاني ويليامز بـ«الكليبتوقراطيين» هم طبقة سياسية فاسدة في السلطة التنفيذية تتهم بالنهب والفساد المالي، والكلِبتوقراطية لفظة مركبة من مقطعين؛ أولهما «كلبتو» بمعنى «لص»، وثانيهما «قراط»، بمعنى حُكم. وعادة ترتبط الكليبتوقراطية عموماً بالديكتاتورية والأوليغاركية، أي حكم القلة الذي همه هو اقتصاد السرقة أو اقتصاد النهب، وليبيا أنموذجٌ لهذا.
الكليبتوقراطية عادة ما تنشئ نظاماً مالياً عالمياً يقوم على غسل الأموال، ويقدر صندوق النقد الدولي أن 2 - 5 في المائة من الاقتصاد العالمي هو اقتصاد كليبتوقراطي، وفي الغالب يتم غسل الأموال عبر شركاتٍ وهمية لإخفاء الأصول وملكية الأموال.
ولعل تصريحات «رئيس» مؤسسة النفط الليبية، بالقول إنَّ البنك المركزي أهدر نصف تريليون دولار خلال السنوات الماضية من عائدات النفط، وإن الأموال تذهب إلى «جهات غير معلومة»، تؤكد حالة النهب الممنهج في مقابل اتهامات للبنك المركزي بدفع أموال للميليشيات والمرتزقة السوريين، إضافة إلى تقارير لديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الليبية، تؤكد تضخم حالة الفساد بشكل مفزع ورهيب في وزارات السلطة التنفيذية المنقسمة بحكومتين شرقاً وغرباً، في ظل نصف تريليون دولار بين نهب وهدر في ليبيا في بضع سنين، الأمر الذي جعل المبعوثة الأممية ويليامز تصفهم بـ«الكليبتوقراطيين» بلا تردد أو خجل أو مجاملة سياسية.