بقلم :عبدالله بن بجاد العتيبي
حكمت محكمة بلجيكية بإدانة الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، بالتخطيط لاستهداف تجمع للمعارضة الإيرانية في فرنسا 2018 بقنبلة شديدة الانفجار، وهو عملٌ إرهابي بامتياز، استهدف عدداً من دول الاتحاد الأوروبي في سلسلة متواصلة من استخفاف النظام الإيراني بدول الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في دولها.
يجري الحديث اليوم في أوروبا وأميركا عن سعي لإعادة إحياء الاتفاق النووي سيئ الذكر مع إيران، ويتحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن لعب دور الوسيط بين إيران وأميركا، وكأن رعاية إيران للإرهاب ودعمها لكل تنظيماته وميليشياته لا يعنيان هذا الاتحاد ومسؤوليه، والرسالة مفادها أنك إن واصلت الإرهاب فستخضع لك أوروبا وتطلب رضاك.
في عملية تحسين شروط التفاوض عمد النظام الإيراني لإعادة تحريك أدواته وهي - جميعاً - أدوات إرهابية، فميليشيات الحوثي تستهدف المدنيين في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، وميليشياته في العراق تسعى لإيضاح سيطرتها على الوضع الأمني وتهديداتها للوجود الأميركي، وعملياتها ضده في تصاعد ومسلسل الاغتيالات مستمرٌ ضد معارضي النظام الإيراني من العراقيين مسؤولين ومثقفين وعساكر.
في لبنان عادت إيران لإحياء عمليات الاغتيال مجدداً باغتيال الكاتب والمثقف لقمان سليم، بشكل سافرٍ وإرهاب فجٍ، وذلك لإعادة لجم الأفواه التي ترفض سيطرة «حزب الله» على الدولة اللبنانية، وترفض الفساد العريض المتفشي في ظل حكم الحزب وحلفائه لكل مفاصل الدولة.
اغتال «حزب الله» اللبناني رفيق الحريري وثبت ذلك بحكم محكمة دولية، الذي شارك في اغتياله سليم عياش، واغتال جورج حاوي وجبران تويني وسمير قصير وفرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح وغيرهم الكثير، وحاول اغتيال الإعلامية مي شدياق، وها هو يعود اليوم لتذكير الجميع أنه قادرٌ على اغتيال من يشاء وقتما يشاء.
ميليشيات الحوثي في اليمن وسياساتها هناك ضد الشعب اليمني أكثر بشاعة وتوحشاً من «حزب الله» اللبناني، والتلميذ قد يتجاوز معلمه في الشر، فلم تبق عمليات إرهابية لم تمارسها تلك الميليشيا من اغتيال وقتلٍ وتفجير وتجويع وحصارٍ وغيرها الكثير، وهي تتحرك وفق التوجيهات الإيرانية، التي تريد إثبات وجودها وتمدد سيطرتها على عدد من الدول العربية حتى تتفاوض من منطلق قوة في المفاوضات القادمة مع أميركا وأوروبا.
النظام الإيراني في حالة ضعفٍ شديدة جراء العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق ترمب، وهو إلى ما قبل شهرٍ تقريباً كان شديد الخوف من أن توجه له ضربة عسكرية أميركية، ولكنه يعتقد الآن أنه أصبح آمناً، وأن الإدارة الأميركية الجديدة يمكن تخويفها والتقارب معها في الوقت نفسه، ولكن بشروطه هو.
تصريحات الإدارة الأميركية الجديدة ترفض استهداف السعودية بالصواريخ الباليستية الإيرانية، وتؤكد التزامها التعاون مع السعودية لضمان أمن المنطقة واستقرارها، وهذا ما يؤكد مكانة السعودية المستحقة في المنطقة والعالم من دون شكٍ.
السعودية أكدت مراراً أنها مع الاتفاق النووي ولكنه اتفاق ناقص، وهي مع أي اتفاق يضمن منع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولكنها تؤكد على وجوب إدانة شرور النظام الإيراني الأخرى مثل التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والصواريخ الباليستية ودعم الإرهاب، وأن تقدم إيران التزامات صريحة بالتخلي عن تلك السياسات المعادية، وتكون تحت طائلة العقوبات في حال انتهاكها لهذا الاتفاق، فالسعودية دولة استقرار وتنمية لا دولة إرهاب وتوسع.
وفي هذا السياق صعدت إيران وتيرة الاعتقالات والإعدامات داخل إيران لمواطنين إيرانيين، بعضهم يحملون جنسيات غربية، وهو ما يؤكد أن أدوات النظام الإيراني في التفاوض السياسي هي أدوات إرهابية بشعة وليست سياسية أو اقتصادية سلمية، وهذا كله موثق ومنشور لا يحتاج إلى رصد وتدليل وتحليل، فالنظام الإيراني هو الفاعل والناشر في الآن ذاته.
سياسات إيران في الدول التي تدخلت فيها هي سياسات مستعمرٍ أجنبي شرسٍ ودمويٍ، لا يربطه بمواطني الدول العربية أي رابطٍ، وبالتالي فهو يستبيح كل السياسات القاتلة والقاسية في حق مواطني هذه الدول، في العراق وسوريا، كما في لبنان واليمن، لا فرق، فالعدو المحتل لا يرقب في أهل البلد إلاً ولا ذمة، والعجيب حقاً هو انسياق عملائه خلفه للتنكيل بأهلهم ومواطنيهم، وهكذا يفعل الطابور الخامس في كل زمان ومكان.
الاغتيالات - مثلاً - هي سياسة حاضرة لدى الأنظمة الوحشية على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، ولكنها لدى النظام الإيراني منهجٌ ثابتٌ ومستقرٌ ومستمرٌ، وأكثر من يعرفها هي الدول الأوروبية وأميركا، ولكن لا أحد منها يريد اتخاذ موقفٍ حازمٍ يردع النظام عن هذه السياسات، التي لا تنتمي للقرن الحادي والعشرين، ولا تعترف بالقوانين والمعاهدات الدولية.
ارتباط النظام الإيراني بالإرهاب والتخريب ونشر الفوضى والدمار أمرٌ معروفٌ للجميع، والاختلاف يكمن في طرق مواجهة هذه الاستراتيجية الإيرانية، هل يكون بالمواجهة والعقوبات والحزم مع النظام المارق، أم يكون بالخضوع والتعايش والانسياق خلف أي اتفاق ناقصٍ أو مشوهٍ؟ والخيارات مفتوحة وواسعة بين هذا وذاك، وتبقى الأهداف والغايات المبنية على الرؤى الاستراتيجية هي الحاكمة على طبيعة أي اتفاق جديد أو أي تجديدٍ للاتفاق القديم.
السعودية، ومعها غالب دول الخليج والدول العربية، تقود دعم الاستقرار العالمي سياسياً واقتصادياً، وعلى كافة المستويات، وهي رقمٌ صعبٌ في كل المعادلات الإقليمية والدولية، ولا يمكن تجاهل دورها وأهميتها بأي حالٍ من الأحوال، وبالتالي فالتصريحات الأميركية عن نشر الاستقرار ومحاربة الإرهاب وتوثيق العلاقات مع حلفاء أميركا كلها تصب في الوعي بهذه المكانة والتأثير، وهي استمرار لما هو قائمٌ منذ عقودٍ.
طبيعة التحالفات السياسية بين الدول هو أن توجد اختلافاتٌ، حيث لا تطابق في السياسات بين الدول، وهو ما يمنح مساحة لتحقيق مصالح الحلفاء ومرونة في مراعاة أهداف الدول وغاياتها، والخلافات حول الطريقة الأفضل للتعامل مع خطر النظام الإيراني هي نموذج عملي لهذه الطبيعة السياسية.
أخيراً، فأي اتفاقٍ مع إيران لا يراعي مصالح دول المنطقة محكومٌ عليه بالفشل كسابقه.