بقلم - رضي السماك
أخيراً رحلت، لكن كابوسها المرعب “كورونا فوبيا” سيبقى جاثماً على صدور البشرية طوال 2021، وإن بصورة أخف بعد تصنيع اللقاحات المضادة. هي أطول السنين بحساب أعوام العقدين المنصرمين اللذين طوتهما بانتهائها، وليست طويلة بحساب الزمن، بل بحجم وتزاحم أحداثها الجسام، حتى غدت ذاكرتنا تشعرنا بأنها وقعت منذ زمن بعيد لا خلال عام واحد فقط.
أواخر ديسمبر 2019 كان العالم يمني النفس بمقدم عام جميل كرقمه 2020؛ أحداثه لا تمحى من الذاكرة أياً تكن، وسرعان ما تسربت على استحياء الأخبار المشؤومة من الصين بتفشي كورونا في مدينة “ووهان”، ومع ذلك احتفل العالم برأس السنة الجميلة رقماً؛ رغم ما يسوده من توترات وحروب إقليمية، وما إن انتهى يناير حتى تمدد الوباء إلى دول عديدة، وبانتهاء مارس كان قد أطبق على معظم بلدان العالم، لكن كيف لنا أن نقتنع بما وصلت إليه البشرية - ولاسيما دولها الكبرى - من قفزة مذهلة في التطور العلمي والتكنولوجي، بأنها كانت عاجزة عن توقع انتقال الجائحة إلى مختلف أصقاع الأرض؟ أما كان ممكناً العمل بخطة تعاون دولية لمحاصرتها في مهدها وهي في الصين والتعاون مع سلطاتها للقضاء عليها سريعاً قبل تمددها إلى العالم؟ لا يفسر غياب خطة كهذه سوى طغيان الأنانية وتضارب المصالح بين العديد من دول العالم، صغيرها وكبيرها، فبدلاً من أن يوحد الوباء على الأقل الدول المتقدمة للتصدي له جرى استغلاله لتأجيج حرب باردة عالمية وإذكاء حروب إقليمية قائمة، وإذا كانت كل حرب نارية تسبقها حرب باردة بين أطرافها؛ فإن ما شهده العالم من حرب باردة بين القوتين العظميين النوويتين طوال ما يقرب من نصف قرن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى مطلع التسعينيات لا يقارن بالحجم المهول للحرب الباردة التي شهدها عقدنا الأخير حتى وصلت ذروتها خلال سنته الأخيرة.