بقلم - رضي السماك
أخيرا صدر تقرير المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا الخاص بالذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا بتكليف من الرئيس مانويل ماكرون، وقبل صدوره كانت قد صدرت قبل عامين عن “الهيئة العامة المصرية للكتاب” الترجمة العربية لكتاب “زمن الاعتذار.. مواجهة الماضي الاستعماري بشجاعة” لكل من مارك جيني، رودا إ.هوارد-هاسمان، جينك ليكود، نيكلاس شتاينر. ومع أن الكتاب يتناول افتراضات نظرية سياسية وحقوقية لنماذج تاريخية من الاستعمار الغربي لبلدان عديدة من العالم الثالث من بينها جل أقطارنا العربية؛ وإن لم يتطرق لها الكتاب؛ فإن تقرير ستورا جاء أبعد ما يكون عن زمن التفاؤل الذي استشرف به المؤلفون عالمنا المعاصر في عنوان كتابهم، إذ مازالت الدول الاستعمارية الديمقراطية تغلب مصالحها الأنانية الضيقة ونزعتها الاستعلائية على امتلاكها الشجاعة للاعتراف بإرثها الإجرامي الاستعماري بحق الشعوب المستعمَرة، حتى لو بدت بذلك غير متسقة مع ما تنادي به من مبادئ وقيم وحريات وحقوق إنسانية.
ومع أن التقرير أقر الجرائم التي ارتكبتها فرنسا بحق الشعب الجزائري والتي سبق لماكرون أن وصفها بـ “جريمة ضد الإنسانية” ووعد بالاعتذار عنها في زيارة له للجزائر إبان ترشحه للرئاسة، فإن ستورا بدا منحازاً لما تبتغيه الرئاسة من تقريره ولم يوصِ بالاعتذار وهو ما استبعدته الرئاسة الفرنسية نفسها بعد صدور التقرير. ومن بين تلك الجرائم الآثار التي ما فتئت تتركها إشعاعات التجارب النووية على صحة الجزائريين، واستعادة رفات قادة مجاهدين تحتفظ بهم فرنسا في متحف الإنسان لم يسترجع سوى رفات 24 من 500 تم التعرف عليها من أصل 18 ألف جمجمة شهيد. ومع أن جرائم الاستعمار الفرنسي تمتد إلى 132 عاما فإن ستورا ركّز على السنوات السبع الأخيرة فقط من كفاح الجزائريين. والحال ما دامت شعوب الدول المستعمِرة هي نفسها لا تبدي اكتراثا بمحو عار ما ارتكبته حكوماتها بحق الشعوب الأخرى، وما دامت الإرادة السياسية القوية المدعومة شعبياً غير متوفرة لدى الدول المستعمَرة سيظل زمن الاعتذار مؤجلًا إلى أجل غير مسمى.