بقلم - رضي السماك
عند توقيعه الثلاثاء الماضي مرسوم المساواة العرقية في المؤسسات الفيدرالية أعاد الرئيس الأميركي جو بايدن التأكيد على أهمية مواجهة العنصرية وأفكار “تفوق العرق الأبيض”، منبهاً إلى أن البلاد تواجه مستوى “عميقاً” من عدم المساواة، وأن الإصلاح الجنائي فقط غير كاف. للوهلة الأولى لسماعك بوجود مثل تلك الأفكار في الولايات المتحدة بعد زهاء قرنين ونصف من استقلالها يُخال إليك أن عقارب التاريخ قد توقفت؛ وأن هذه الأفكار متسللة إلى عصرنا خلسةً من كهوف التاريخ المتبقية من عصور البربرية، فكيف جرى إنعاش ونشر هذه الأفكار والنظريات ونحن في الألفية الثالثة؟ من المسؤول والمستفيد من إنعاشها؟ ولماذا لم تترسخ بعد آليات في هذا النظام الديمقراطي العريق لاجتثاثها للأبد بلا رجعة؟ بالرغم مما مرت به البلاد طوال تاريخها من محطات إصلاحية متعددة دُفعت من أجلها أثمان باهظة من الدماء والقتلى في هبات المهمشين.
وللتأكيد على حقيقة ما بلغته اللامساواة من مستوى “عميق” أعطى الرئيس أرقاماً صادمة في حجم تفاوتها بين مستويات معيشة السود والملونين في مختلف المجالات السكنية والوظيفية والصحية وبين معيشة البيض، وفي الواقع من الإجحاف بمكان القول إنها حصاد عهد ترامب أو عهود الجمهوريين الأسبق منه؛ فالمسؤولية مشتركة بين هؤلاء والديمقراطيين، والخلل إنما يكمن في النظام المتقادم الذي تم تشييده ولم يجرِ إصلاح جذري له بعد. في كتابه “المتلاعبون بالعقول” يوضح مؤلفه الأميركي هربرت أ. شيلر جانباً من أهم أعراض الخلل الذي ظل بمثابة عاهة مستديمة في مفاصل النظام، حيث إن المهيمنين على النظام الاجتماعي ظلوا يمارسون بفعالية تامة تضليل الأغلبية البيضاء وقمع الأقلية الملونة، مضيفاً أن العبقرية المرعبة للطبقة الحاكمة منذ البداية تمثلت في قدرتها على إقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه أهميةً، ولم تكن وسائل التضليل سوى استملاك وسائل الإعلام وأجهزة المعلومات من قِبل تلك الطبقة نفسها.
وبدون مواجهة هذه الحقيقة بشجاعة وإصلاح هذه العاهة ستظل إصلاحات بايدن للمساواة جزئية ومعرضة للانتكاسة بمجيء من ينسفها بجرة قلم من بعده.