بقلم: د. محمود خليل
يعتنق أغلب الحوثيين باليمن «المذهب الزيدى»، وهو واحد من المذاهب الشيعية الشهيرة، وينسب إلى الإمام زيد بن على بن الحسين. و«زيد» كما ترى هو حفيد الإمام الحسين ورأسه مدفون بمصر فى مقام «زين العابدين» بالسيدة زينب.
يرى الشيعة الزيديون أن زيد بن على هو الإمام الخامس من أئمة الشيعة، خلافاً لما يراه الشيعة الاثنا عشرية الذين يعتقدون أن الإمام الخامس هو «محمد الباقر» أخو «زيد بن على» الأكبر.
وقد كان لـ«زيد» قصة مع أهل العراق تتشابه إلى حد كبير مع قصة جده «الحسين بن على»، حين التف حوله عدد من الشيعة المناوئين للدولة الأموية، وكانوا -كما يحكى ابن كثير- حوالى أربعين ألفاً، فنهاه بعض النصحاء عن الخروج وقالوا له إن جدك -يقصدون الحسين- خير منك، وقد التفّ على بيعته من أهل العراق ثمانون ألفاً ثم خانوه، وحذروه من أهل العراق فلم يقبل منهم «زيد»، بل استمر يبايع الناس فى الكوفة على كتاب الله وسنة رسوله حتى استفحل أمره بها، وما زال كذلك حتى دخلت سنة 122هـ فكان فيها مقتله، بسبب انفضاض أهل العراق من حوله.
ويرى المؤرخون أن سبب انفضاض الشيعة من حول «زيد بن على» ارتبط برأيه فى الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، فقد سأله شيعة العراق: ما قولك يرحمك الله فى أبى بكر وعمر؟، فقال: غفر الله لهما ما سمعت أحداً من أهل بيتى تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلا خيراً، قالوا: فلِمَ تطلب بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، ثم سألوه لماذا يقاتل بنى أمية وهو يوقر الشيخين أبا بكر وعمر؟ فقال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك، إن هؤلاء -يقصد الأمويين- ظلموا الناس وظلموا أنفسهم.
يظهر هذا الخطاب أن من نهجوا نهج «زيد بن على» كانوا أكثر فرق الشيعة اعتدالاً، وربما كان السبب فى ذلك أن قضية «زيد» كانت واضحة أشد الوضوح. فالرجل خرج ليدفع عن المسلمين ظلم بنى أمية واستبدادهم، وأراد أن يحيى مفهوم الدولة «الديانة» أى الدولة التى تحيى قيم وأخلاقيات الإسلام.
لذلك كان من الطبيعى أن يخالف التيار الشيعى السائد الذى يتبنى فكرة الهجوم على الشيخين أبى بكر وعمر، وأن يترضى عنهما، لأنه ببساطة التقى معهما فى الفكرة والهدف، فكرة بناء «الدولة الديانة» التى تختلف فى توجهاتها عن «دولة المُلك» التى أقام بنو أمية دعائمها، حين تخلوا عن الكثير من قيم الإسلام وعلى رأسها قيمة «الشورى» وحق المسلمين فى الاختيار لأنفسهم، وأقاموا ملكاً عضوضاً يتوارث فيه الأبناء الحكم عن الآباء، وأسسوا الحكم على الغلبة بالسيف والاستبداد بالأمر، لأنهم آمنوا أن فكرة «تقوية الدولة» مقدمة على فكرة «حماية كرامة الإنسان»، فرضوا بإهدارها من خلال الممارسات الظالمة.نجح الأمويون بالفعل فى بناء دولة قوية استطاعت التوسع وزحفت بالإسلام إلى بقاع أخرى من الأرض، لكن ذلك جاء فى النهاية على حساب كرامة الإنسان.
وكرامة الإنسان مفهوم أساسى من المفاهيم التى تستند إليها «الدولة الديانة» إعمالاً لقوله تعالى: «ولقد كرَّمنا بنى آدم».انتهى أمر حفيد الحسين بانفضاض الناس، فتبقى معه من الأربعين ألفاً الذين التفوا حوله فى البداية خمسمائة فقط، فقاتل الأمويين قتالاً يائساً وانتهى الأمر بهزيمته وقتله، واحتز يوسف بن عمر قائد الجيش الأموى الذى قاتله رأسه، تماماً مثلما وقع مع جده «الحسين»، ليتم إرسالها إلى الخليفة الأموى هشام بن عبدالملك فى الشام.