بقلم: د. محمود خليل
الحسن بن على بن أبى طالب، سبط النبى، صلى الله عليه وسلم، كان وأخوه الحسين أحب البشر إلى قلبه الإنسان.
لم يكن «الحسن» ميالاً إلى أن يتولى أبوه الحكم بعد اغتيال «عثمان»، رضى الله عنهما، لكنه قاتل إلى جواره عندما وجد فيه عزماً على مواجهة معاوية.
وبعد استشهاد على بن أبى طالب على يد الخارجى عبدالرحمن بن ملجم، وجد الحسن نفسه قائداً لمعركة لم يخترها، بايعه قائد جيشه قيس بن سعد بن عبادة خليفة للمسلمين، وتحرك نحو الشام بجيش ضخم، لكن الله شاء أن تجد أحداث كثيرة أثناء مسير الجيش قلبت المشهد، قرّر على أثرها التفاهم مع معاوية بن أبى سفيان على الصلح، وحقن الدماء بين المسلمين، فاصطلحا على ذلك.
ولما اصطلح الاثنان، دخل معاوية الكوفة وبايعه الناس، وكتب الحسن إلى قيس بن سعد، وهو على مقدمته فى اثنى عشر ألفاً يأمره بالدخول فى طاعة معاوية، فقام قيس فى الناس، فقال: أيها الناس اختاروا الدخول فى طاعة إمام ضلالة، أو القتال مع غير إمام، فقال بعضهم: بل نختار الدخول فى طاعة إمام ضلالة. فبايعوا معاوية أيضاً، فانصرف قيس فيمن تبعه، ثم تصالح مع معاوية بعد ذلك.
جُوبه تنازل «الحسن» عن الخلافة بمعارضة شديدة من المحيطين به، فخرج إليهم وخطب فيهم -كما يحكى ابن قتيبة صاحب كتاب الإمامة والسياسة- وقال: «أيها الناس إن الله هدى أولكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وكان لى فى رقابكم بيعة تحاربون من حاربت وتسالمون من سالمت، وقد سالمت معاوية وبايعته فبايعوه، وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين، وأشار إلى معاوية».
ويكاد يكون النص السابق هو النص التأسيسى لمفهوم قدرية الحكم القائم على المظالم، وأنه ربما يكون فتنة أو عقاباً من الله، وأن على الناس أن يصبروا عليه، لأن الخروج عليه يمكن أن يؤدى إلى مقتلة أعظم.
ويشير صاحب «الإمامة والسياسة» إلى أن «سليمان بن صرد» دخل على الحسن فقال له: السلام عليك يا مُذل المؤمنين، وسأله كيف تنازل عن الخلافة ووراءه مائة ألف من العراق غير من يؤيده من أهل البصرة والحجاز، فرد عليه الحسن رداً طويلاً، من أبرز ما جاء فيه: «أشهد الله وإياكم أنى لم أرد بما رأيتم إلا حقن دمائكم، وإصلاح ذات بينكم، فاتقوا الله وارضوا بقضاء الله وسلموا الأمر لله، والزموا بيوتكم، وكفوا أيديكم، حتى يستريح بر، أو يُستراح من فاجر، مع أن أبى كان يحدثنى أن معاوية سيلى الأمر، فوالله لو سرنا إليه بالجبال والشجر ما شككت أنه سيظهر، إن الله لا معقب لحكمه، فوالله لأن تذلوا وتعافوا أحب إلى من أن تعزوا وتقتلوا».
جملة عجيبة تستحق التأمل تلك التى قال فيها الحسن: «لأن تذلوا وتعافوا أحب إلىّ من أن تعزوا وتقتلوا».. فأى عافية تلك التى يجنيها ذليل؟ لكن أيضاً ما قيمة العز فعلاً مع القتل؟ اختيار عجيب ما بين «عدمين» قدّمه الحسن رضى الله عنه.