بكلمات صريحة لا تحتمل التأويل خرج المرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى مؤكداً ضرورة أن تبادر الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات الاقتصادية التى فرضها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب على بلاده حتى تعود حكومته إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووى المبرم بين الدولتين.
من ناحيته أكد جو بايدن أن على إيران العودة أولاً إلى الالتزام ببنود الاتفاق والتوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسب معينة حتى ترفع الإدارة الأمريكية العقوبات وتعود إلى الاتفاق.
إنها مناوشات ما قبل العودة.. هذا الطرف يشد.. فيظهر الطرف المقابل له وكأنه يتشدد.. ثم يتصالح الطرفان على عودة المياه إلى مجاريها.
النظام الإيرانى لا يملك التراجع.. التجربة تقول ذلك.. إدارة ترامب ضغطت كثيراً على حكومة طهران، فرضت عقوبات اقتصادية عليها، وخططت ونفذت عمليات اغتيال كبرى، فاغتالت قاسم سليمانى قائد الحرس الثورى الإيرانى والعالم النووى محسن فخرى زادة، ولم تبدِ إيران رد فعل ذا بال على ذلك، بل مدت فى حبال الصبر، انتظاراً للحظة التى سوف تملى فيها إرادتها.
لا تملك حكومة طهران أن تتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة بأى نوع من المرونة. فالنظام الإيرانى بطبيعته نظام مؤدلج يستند إلى مجموعة من الأفكار والتوجهات القطعية، وطريقة فى الحساب السياسى لا تعرف سوى إملاء الإرادة.
وعلى الجهة المقابلة تعلم الإدارة الأمريكية الجديدة أن العودة إلى الاتفاق النووى هى الأنفع والأجدى بالنسبة لها، لأن ترك الأمور على ما هى عليه الآن سوف يزيد الطين بلة ويمنح إيران الذريعة الأدبية لمواصلة تخصيب اليورانيوم. وهناك تقارير صحفية تتحدث عن أن طهران توشك بالفعل على تصنيع قنبلة نووية.
وترتيباً على ذلك، فإن العودة إلى الاتفاق تمثل المسار الأكثر معقولية بالنسبة للأمريكان حتى لا تتفاقم الأمور أكثر من ذلك.
وبالتالى فأى حديث عن تعديل بنود الاتفاق أو إضافة أطراف أخرى -عربية على وجه التحديد- إليه يفتقر إلى الواقعية.
كل ما ستناله الأطراف الخليجية من الموقف الحالى يتمثل فى مساعدتها على الخروج الآمن من مستنقع اليمن.
والضغوط الأمريكية المعلنة التى تشترط عودة إيران إلى الالتزام ببنود الاتفاق مجرد مناورة من جانب الأمريكان للضغط على حكومة طهران فى ملف الحوثيين. فالولايات المتحدة تريد من طهران الضغط على الحوثيين لإيقاف الحرب المستعرة فى اليمن منذ عدة سنوات، وضمان الخروج الآمن للأطراف الخليجية التى تورطت فيها.
إذا نجحت إيران فى دفع الولايات المتحدة إلى العودة إلى الاتفاق النووى ورفع العقوبات الاقتصادية عنها فستكون قد أعطت درساً فريداً لإملاء الإرادة السياسية على المجتمع الدولى.
ليس هناك خلاف على أن إيران دفعت ثمناً باهظاً كى تفلح فى الوصول إلى هدفها، لكنها فى النهاية نجحت، وقد يكون فى مقدورها فى المستقبل ترميم الآثار المترتبة على الفترة التى قضتها فى الحصار الاقتصادى.
إنه درس قد يستفيد منه العرب والدول العربية كثيراً لو تأملوه. فالعالم الذى نعيش فيه لا يفهم سوى لغة التحدى وفرض الإرادة.. وخير للحملان الوديعة أن تصمت وتتقبل أقدارها إذا كانت عاجزة عن إملاء إرادتها.