داخل أحد أسواق الملابس المستعملة بساحة الطيران وسط العاصمة بغداد تزاحم عدد من المواطنين العراقيين، كل يبحث عن حاجته وحاجة أطفاله من الملابس الثقيلة التي تقيهم من قسوة البرد.
الحياة قاسية.. والمواطن العراقي يعاني الأمرّين في الحصول على المال. فرص العمل محدودة، وسعر العملة المحلية «الدينار» يواصل التدني أمام الدولار، مع نهاية كل شهر لا يعلم الموظف هناك هل سيقبض راتبه أم لا، الخدمات والمرافق من كهرباء وماء في أسوأ حال.
سوق الملابس المستعملة بساحة الطيران جسد كبير تتشكل خلاياه من الفقراء الذين عبثت العديد من الأطراف الداخلية والخارجية بهم.
أغلب الباعة هناك لا يملكون محلات لعرض بضاعتهم، فيكتفون بما يطلقون عليه «البسطات» يعرضون عليها الملابس المستعملة.. والبسطات تشبه «الفرشات» التي تجدها شائعة في أسواق العتبة والموسكي بمصر.
لا يربح الباعة إلا القليل، لأن الزبون هو الآخر لا يملك إلا القليل.. كل شيء في السوق مستعمل.. الملابس والمال وحتى المواطن الذي يبيع أو يشتري يصح أن تصفه بـ«المستعمل».
«المواطن المستعمل» هو ببساطة إنسان دهسته الحياة وحرمته من أدنى حقوقه كإنسان، فلا مال ولا عمل ولا نور ولا مياه ولا حماية.. هو في نظر الكثيرين مجرد رقم، لا اسم له ولا عنوان.
كان المواطنون المستعملون يتزاحمون كالعادة في سوق الطيران، عندما أقدم انتحاري على تفجير نفسه بينهم فسقط عدد منهم ما بين قتيل وجريح، تجمّع آخرون كانوا على مبعدة من موقع التفجير ليستطلعوا ما حدث، فإذا بانتحاري آخر يفجر نفسه بينهم.. لا يفصل ما بين المواطن المستعمل الذي كان يأسى على زميله في الاستعمال وما بين السقوط في نفس المصير سوى لحظات.
المسئولون الأمنيون في بغداد خرجوا بعد التفجير المزدوج يشنفون آذان المستعملين بأن ضحايا التفجير بلغوا أكثر من 30 قتيلاً وما يزيد على 100 جريح.
مجرد رقم.. كذلك حال المواطن المستعمل.
يقول الخبراء إن من الصعوبة بمكان منع مثل هذه التفجيرات التي تستهدف بعض النقاط الرخوة التي يمكن النفاذ إليها بسهولة، وتنفيذ عمليات إرهابية بداخلها، ومصدر الرخاوة هنا يتعلق بعدم التأمين، وعدم التأمين يرتبط بالنظرة إلى المواطن. فالمواطن داخل المنطقة الخضراء في العراق «مواطن أصلي»، وبالتالي يحظى بالحماية، أما المواطن في سوق الطيران فـ«مستعمل» أو «رخو» مثل المنطقة التي يقبع فيها، وبالتالي فلا داعي لحمايته.
«المستعمل» رخيص ولا قيمة كبيرة له في سوق البشر.
يتحدث البعض عن عودة تنظيم «داعش» إلى الضرب من جديد. شواهد عديدة على الأرض تؤشر إلى ذلك، لكن علينا الالتفات إلى أن عودة التنظيم الإرهابي إلى العمل أساسه تحول العراق إلى ساحة للصراع بين الأطراف الخارجية.
مَن يا تُرى الذي دعّم التنظيم «السني» من جديد ليعود إلى العمل ولأي أهداف؟.
الولايات المتحدة الأمريكية تعارك إيران فوق أرض العراق.. ودول خليجية تلعب اللعبة نفسها.. والمواطن المستعمل هو الضحية في النهاية.