«إنه شخص واحد يمكن التخلص منه».. «إنه شخص واحد لكنه يعبر عن الجميع.. الواحد من أجل الجميع والجميع من أجل الواحد».
عبارة «إنه شخص واحد يمكن التخلص منه» حكمت نظرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى «أليكسى نافالنى» المعارض الروسى الشهير.
تعرض «نافالنى» لمحاولة اغتيال بغاز أعصاب منذ عدة أشهر، لكنه عولج وتعافى فى ألمانيا، التى أعلنت تفاصيل المحاولة.
عقب عودته من رحلة العلاج صدر حكم على «نافالنى» بالسجن لمدة 30 يوماً، تمهيداً لتقديمه للمحاكمة. وهى طريقة أخرى للتخلص من المعارض ارتآها «بوتين».
لم تتوقع الإدارة الروسية المغرورة، التى ترى أن أسهل شىء بالنسبة لها هو التخلص من معارض، رد الفعل الشعبى على حبس «نافالنى» بمجرد عودته من ألمانيا.
اندلعت مظاهرات عارمة فى العديد من المدن الروسية تطالب بالإفراج عن المعارض، وتؤكد أن «نافالنى» قد يكون شخصاً واحداً، لكنه يعبر عن الجميع.. وكما يعبر عن الجميع فإن الجميع يتحرك من أجل واحد.
إنها الفكرة فى مقابل الشخصنة.. أو بعبارة أخرى.. هى رؤية السلطة التى تستسهل اختزال كل المشكلات فى شخص ترى أن القضاء عليه يعنى القضاء على المشكلات، والفكرة التى تتجسد فى شخص تلتف حوله مجموعات كبيرة من البشر.
كل شخص هو عُرضة للخروج من مسرح الأحداث فى لحظة، بأن يموت كما يموت كل حىّ، لكن الفكرة خلافاً لذلك لا تموت.
الفكرة تظل باقية ما دام لها جدوى فى الواقع، تظهر وتطل برأسها كلما توافرت الشروط المؤهلة لذلك، الفكرة قد تنزوى لبعض الوقت، لكنها تظل باقية فى انتظار اللحظة المناسبة للظهور.
لم يلتفت «بوتين» إلى هذا الأمر وظن أن التخلص من «نافالنى» كفيل بإراحة رأسه وتحقيق طموحاته فى الاستمرار دون أى نوع من أنواع الصداع السياسى، لكنه لم يعلم وهو يفعل أنه يسدى خدمة كبيرة للمعارض الشرس، فمحاولة التخلص منه حوّلته من شخص عادى له رأى فى الواقع القائم إلى «فكرة للتغيير» تحلّق حولها الكثيرون.
كان من اللافت أن تخرج الجموع المتظاهرة فى روسيا، غير آبهة بتهديدات السلطة التى تتهمها بالتظاهر دون ترخيص. إنها رسالة تمرد واضحة.
الأكثر لفتاً للنظر فيما حدث يتعلق بالهتافات التى دوّت بها حناجر المتظاهرين الروس، فالبعض طالب بالإفراج عن المعارض، والبعض الآخر طالب برحيل بوتين.
مؤكد أن الهتاف برحيل بوتين كان له صدى سيئ على الرجل الذى يوصف بـ«الرجل القوى»، ولو كان لديه بعض الحكمة لفكّر فى الأمر ملياً.
بمقدور «بوتين» أن يعبر من هذه الأزمة لو فهم أن «تخلّى المجموع» عن الفرد أياً كان موقعه وأياً كانت درجة قوته يعنى «الضعف»، وأن التفاف المجموع حول شخص هو مصدر قوته.
فقوة الجالسين على مقاعد السياسة أو ضعفهم مصدرها المجموع الداعم أو المتخلى الرافض.
القوة الحقيقية فى مثل الموقف الذى تعيشه روسيا الآن يرتبط بالاستجابة للمجموع ومراضاته، أما الضعف فأساسه الاتجاه نحو قهر المجموع وسحقه.