انتهاء الصلاحية هو السبب المباشر لسقوط أى نظام سياسى.
وتنتهى صلاحية النظام السياسى عندما يترسخ لدى الشعوب إحساس باليأس من إمكانية إصلاح أو تطوير النظام، وإحساس موازٍ بغموض المستقبل حال استمراريته. فى هذه اللحظة يفقد النظام السياسى صلاحيته ويصبح عرضة للسقوط فى أية لحظة.
انتهى النظام الملكى فى مصر عام 1952 بعد انتهاء صلاحيته.. كل المؤشرات التى اقترنت بسنوات ما قبل ثورة يوليو تؤشر إلى ذلك.
فقد بدا الملك فاروق عاجزاً عن السيطرة على الأحزاب السياسية التى كانت تتفاعل على الساحة السياسية المصرية، وكذا الإنجليز الذين هاجموا الشرطة المصرية فى الإسماعيلية، وكذلك رجال الشرطة الذين دافعوا عن أنفسهم ضد محتل غاصب.
كان الملك أيضاً عاجزاً عن السيطرة على حركة الشارع الذى أصبح يتحرك بإشارات تأتيه من جماعات شعبوية، شملت الإخوان ومصر الفتاة والشيوعيين، ثم كانت نكبة 1948 وصداها المرير على الشعب المصرى.
لذلك كان من الطبيعى أن يسقط الملك فاروق مع تحرك الضباط الأحرار، ليس لقوة امتاز بها هذا التنظيم، بل بسبب انتهاء صلاحية النظام الملكى وعجزه عن السيطرة. وظنى أن أية قوة كانت ستتحرك ضد الملك فى ذلك الوقت كان بإمكانها ركوب المشهد بسهولة.
سقوط الملك فاروق عام 1952 كان أساسه يأس الشعب من انصلاح حال النظام الملكى، وإحساسه بغموض المستقبل حال استمراريته.
سقط النظام الناصرى أيضاً عندما فقد صلاحيته نتيجة عجزه عن السيطرة على عوامل الاستمرار. بدأ السقوط بمغامرة فى اليمن عام 1962، أدت إلى استنزاف ذراع القوة المصرية، وتسبب فى مشكلات اقتصادية كبرى عجز معها النظام عن تطوير المرافق فبدأت معيشة المصريين تتعقد، ثم كانت نكسة يونيو التى أدارت رأس المصريين، بالإضافة إلى فشل التجربة الوحدوية.
تضافرت هذه العوامل بصورة أدت إلى تحجيم التجربة الناصرية بشكل سلس وسهل فى مايو عام 1971 فيما وصفه الرئيس السادات بـ«ثورة التصحيح»، أى الثورة التى تصحح الأخطاء التى وقعت فيها ثورة يوليو 1952.
واقع الحال أن المسألة لم تكن تصحيحاً أو تصويباً، بقدر ما كانت استغلالاً لانتهاء صلاحية تجربة للتمهيد لتجربة جديدة ذات توجهات وأدوات وطموحات مختلفة.
استغل السادات اليأس والإحباط والإحساس بغموض المستقبل الذى ضرب الشارع المصرى بعد نكسة يونيو 1967، واستوعب أن التجربة الناصرية فقدت صلاحيتها فتحرك بسهولة فى اتجاه تدشين نظام سياسى جديد.
استشهد الرئيس السادات فى لحظة يأس وإحساس بغموض المستقبل سيطرت على الشارع جراء إحساس المواطن بالعجز أمام طوفان الغلاء، واستفادة مجموعة من الانتهازيين من نصر أكتوبر 1973، وهو النصر الذى دفع الشعب ثمنه من دمه وماله وتحمل فى سبيله العديد من الضغوط والمشكلات، أضف إلى ذلك شعور الناس بنوع من اللخبطة الممزوجة بالدهشة جراء خطوة السلام مع إسرائيل، ثم كانت قرارات سبتمبر 1981 التى جعلت المستقبل يائساً وغامضاً فى أعين المصريين.
نظام «مبارك» سقط هو الآخر عندما انتهت صلاحيته، وسيطر على المصريين بعد 30 عاماً من حكمه إحساس باليأس من إيقاف عَجلتَى الفساد والاستبداد، توازى معه إحساس بغموض المستقبل الذى أراد «مبارك» أن يعيد فيه إنتاج تجربته عبر توريث الحكم.
وكانت تلك لحظة النهاية حين سقط هذا النظام على يد الشباب المخلصين الذين تصدروا المشهد فى 25 يناير 2011.سؤال «الصلاحية»