العاملون فى مجال الإعلام يواجهون مشكلة «محتوى».. والجمهور أيضاً.
المحتوى الذى يقدمه صناع الإعلام ويمس القضايا والهموم الحقيقية للمجتمع لا يجد سوقاً لدى الناس.. أسباب العزوف كثيرة، من بينها عدم الثقة من جانب الجمهور فى منسوب المصداقية، وارتفاع نسبة كوليسترول الدعاية على حساب المعلومات التى يتشكل منها المحتوى، بالإضافة إلى عدم التفاته إلى تغطية كل القضايا المهمة التى يحتاج الجمهور إلى متابعتها.
صناع المحتوى الإعلامى فى حيرة من أمرهم. نظروا إلى وسائل الإعلام التقليدية وعلى رأسها الصحف فوجدوا أن تطورات العصر جعلتها «موضة قديمة»، وأن عليهم أن يتحركوا إلى وسائل الإعلام الجديدة ليتيحوا مادتهم على مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، لكن أزمة عزوف الجمهور ظلت قائمة.
فطريقة التغليف أياً كان بريقها لا تؤثر كثيراً فى ترويج المنتج الذى يفتقر إلى شروط الجودة، لذلك امتدت مشكلة المحتوى العاجز عن الجذب من الإعلام التقليدى إلى الإعلام الجديد.
لم يجتهد صناع الإعلام فى اختراق مساحات جديدة «ممكنة» وإنتاج محتوى قادر على الجذب وإثارة الاهتمام بعيداً عن أى تعقيدات، وكذلك بعيداً عن التفاهات والسذاجات التى أصبح الإعلاميون يتنافسون على تسويقها وترويجها حالياً.
رأى صناع الإعلام أن الحل فى «سباق التفاهة» و«دغدغة الغرائز».
صناع الإعلام يميلون إلى المحتوى الذى لا يتطلب جهداً فى صناعته، يفضلون الأسهل. على سبيل المثال حادثة مثيرة، تختلط فيها العلاقات المحرمة بالطبقية بالنجومية أو الشهرة تجد اهتماماً من جانب العاملين فى المجال، ويقدمونها وكلهم ثقة فى أن الجمهور سيقبل عليها، ويثقون فى أنه بمجرد وضعها على الموقع ستزيد معدلات «الترافيك» أو المرور عليه.
إنتاج مثل هذه القصص لا يتطلب جهداً كبيراً فى الوصول إلى المصادر -الغاوية شهرة- أو جمع المعلومات. كما أن المبالغة فى سرد التفاصيل لن تضر، بل ربما تنفع، والفبركة والاختلاق واردان وتمثلان «التوابل» التى توضع على الوجبة ذات المكونات السيئة حتى يبتلعها الجمهور مستمتعاً.
من جهته يتعامل الجمهور مع المتاح. وهو بالغريزة والفطرة يفضل «المتبل» المضر على «الخضار المسلوق» معدوم الطعم والرائحة والشمخة.
لا يميل صناع الإعلام إلى «الأداء المنتج» ويفضلون «الأداء الاستهلاكى».
لا يفكرون على سبيل المثال فى إنتاج محتوى يمتع المتلقى باسترجاع الماضى «نوستالجيا». والمصريون بطبيعتهم من أكثر شعوب الأرض حنيناً إلى ماضيهم. وتتيح الإنترنت العديد من الأدوات التى تمكن الإعلامى من إنتاج مثل هذا المحتوى بشكل شديد الجاذبية لقطاعات الجمهور التى تهتم به.
ومن المضحك أننا فى عصر التكنولوجيا وغرق مواطن هذا العصر فى «الصندوق السحرى الصغير» المسمى بالموبايل، والأحاديث التى لا تنتهى عن أجياله، لا يقابلها اهتمام ذو بال من جانب الإعلام بمحتوى العلوم والتكنولوجيا.
ومن المضحك أيضاً أنه فى عصر «اقتصاد المعرفة» و«الهاى تك» لا تجد محاولات لتغطية الجديد فى هذا المجال على مستوى مصر والعالم، رغم أن نسبة لا بأس بها من المصريين تمضى أكثر ساعات يومها أمام شاشة اللاب أو الموبايل، وأصبحت تعمل من خلاله.
حتى موضوعات السياسة الخارجية لم تعد تحظى من جانب صناع المحتوى الإعلامى بما يليق بأهميتها من اهتمام، رغم الأحاديث التى لا تنقطع عن «المواطن العالمى» الذى أصبح يهتم بالداخل كما يهتم بالخارج.
ميل المحتوى الإعلامى إلى «التفاهة» له أسباب عدة، يتربع على رأسها فى التجربة المصرية «الكسل المهنى».