بقلم : أمينة خيري
مشاهدة أعمال درامية مثل «التاج» أو «ذا كراون»، والأمريكى «بيت البطاقات الورقية» أو «هاوس أوف كاردز» شىء بالغ المتعة. دعك من النواحى الفنية، حيث التصوير والموسيقى.. إلخ، وتابع المحتوى السياسى والثقافى والمعرفى. «التاج» الذى يستعرض قصة الملكة إليزابيث الثانية ودهاليز الحكم والحكومة والعائلة المالكة، و«بيت البطاقات الورقية» حيث صورة عن كيفية إدارة وتدوير السياسة فى أمريكا والانتخابات وعمل أعضاء الكونجرس والمنظمات الأهلية والإعلام وما يدور فى الكواليس وما يظهر فى العلن. فأن تجد نفسك غارقاً فى منظومة ثقافية وسياسية لا تمت بصلة للعالم الذى تعيش فيه، لكنها فى الوقت نفسه تتحكم فى حياتك الشخصية ربما دون أن تدرك أمرًا مثيرًا. فالسياسات والتوجهات والقرارات التى يتم اتخاذها على الجانب الآخر من العالم تلقى بظلالها وتحط برحالها فى هذا الجانب من العالم.
والنظر من فتحة الباب - ولو كان ذلك عبر عمل درامى - على مطابخ الجانب الآخر، قد يساهم فى إيقاظنا من غياهب الوهم السياسى ودنيا الخيال الثقافى التى غرقنا فيها حتى الثمالة منذ عقود طويلة. وتكفى هذه التكهنات الإعلامية والتوقعات المرئية الاستراتيجية التى تدور رحاها فى بلادنا حول نوايا الرئيس الأمريكى المنتخب بايدن تجاهنا وموازين العلاقات التى ستنقلب ومواءمات المصالح التى ستظهر أو تختفى. فالمنتج النهائى المقدم لنا عبر عناوين مثل «إدارة بايدن تجمد صفقات الأسلحة للسعودية والإمارات مؤقتاً» أو «هل يوقف بايدن دعم أمريكا للتحالف العربى فى اليمن؟» أو «عودة إلى الضغط على مصر بملف حقوق الإنسان» وغيرها ليس إلا نتاج عمل مكثف فى المطبخ السياسى وليس من بنات أفكار هذا الرئيس أو تلك الإدارة فقط. وليس هناك ما هو أمتع أو أكثر تثقيفاً وقدرة على رفع الغمامات أكثر من الاطلاع على المطابخ حتى لو كان اطلاعاً درامياً. قد تكون الأحداث خيالية والأبطال من نسج خيال المؤلف، لكنها أعمال تقوم على سرد درامى فى إطار قواعد النظم السياسية والمحيط الثقافى والاجتماعى لهذه الدول. وللعلم فإن مثل هذه الأعمال تثير الكثير من الجدال فى مجتمعاتها. القصر فى بريطانيا يعترض على طريقة تناول علاقات أو تلميحات أو اتهامات فى داخل العائلة المالكة. الحكومة البريطانية أيضاً تعترض وتطالب بكتابة تنويهات تشير إلى أن العمل «خيالى»، لأنه ربما يسىء إلى أفراد فى العائلة المالكة. «بين البطاقات» الأمريكى لم يثر أزمات تتعلق بالإساءة لأفراد أو نظام، لكنه أثار مخاوف من التعرض للحجب أو تطبيق معايير الرقابة الصارمة فى الصين - المعروفة هناك بمسمى «جعل المادة أكثر انسجاماً» - لأسباب سياسية، لكنها تبقى أعمالاً معرفية تثقيفية. وأضيف إلى المعرفة والتثقيف ميزة كونها أعمالاً لا تغرق فى البروباجاندا أو الحشد، وإن كان هذا لا ينفى حقيقة أن أى عمل تاريخى أو سياسى يميل إلى وجهة نظر كاتبه، لكن العبرة بـ«شياكة» التحيز وليس سوقيته.