بقلم : نشوى الحوفى
ما أسرعها دورة الحياة.. نظن أن الأيام بطيئة بينما هى تجرى كلمح البصر. ففى 15 فبراير 2015 كان موعدنا مع مأساة ذبح إرهابيى داعش فى درنة بليبيا لـ21 مصرياً مسيحياً أمام كاميرات عالية التقنية وبتصوير فائق الجودة ليراها العالم أجمع. ما زلنا نتذكر مشاهد فيلمهم وهو يتكرر عرضه على قنوات العالم... مشهد تلوُّن مياه البحر بدماء المصريين لن يُُمحى من الذاكرة، وجع الألم من الحادث لا يزال حاضراً فى الوعى، عبارات التأسى والتعبير عن الفجيعة باقية فى ذكريات الحزن. عبارات الشجب والتنديد والمشاطرة حتى ممن شاركوا فى صنع المشهد لا تزال ماثلة فى الذهن.
نعم.. ما زال مشهد ذبح المصريين حاضراً رغم مرور ست سنوات.
مشهد آخر لا يزال يتردد بقوة فى الذاكرة... الإعلام فى الداخل والخارج وهو يحلل وينقد الوضع الأمنى فى بلادى وقدرتنا على مواجهة الإرهاب وعملياته. طنطنة بعض الأصوات لا تزال تتردد فى سمعى وهى تتحدث عن هيبة البلاد وكيف للدولة أن يجتمع مجلس أمنها القومى وينفضّ دون إعلان بيانات تحمل قرارات الثأر.. وكأن الهيبة وأخذ الحق يتم عن طريق البيانات وجلجلة الإعلام!
بينما يعلن رئيسى فى هدوء الواعى لما يحدث: «إن مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد».
وفى صمت تام، وبينما الجميع نيام، وبينما من فعل الفعلة على يد مرتزقة الإرهاب يضحك من صمتنا ويظن -ظن السوء- فينا العجز، تنطلق طائراتنا يقودها أبطال لا يعرفون الهزيمة أمام التجبر ولا الاستسلام للعدوان ولا الاستكانة للاستقواء نحو هدفهم، دون إعلان أو إعلام، فى جنح الليل، ليدكوا معسكرات الإرهاب فى درنة فى ليبيا، التى أراد ممولو المرتزقة فى حينها أن تتحول إلى شوكة الإرهاب فى مصر، ويعودوا كما ذهبوا بسلام الله. ويخرج بيان القوات المسلحة المصرية يجلجل أصداء العالم، فتسكت ضحكة الإرهابى الأكبر وتتحطم حين يُعلن بكلمات حاسمة: «تنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس الدفاع الوطنى وارتباطاً بحق مصر فى الدفاع عن أمن واستقرار شعبها والقصاص والرد على الأعمال الإجرامية للعناصر والتنظيمات الإرهابية داخل وخارج البلاد، قامت قواتكم المسلحة فجر اليوم الاثنين الموافق 16/2 بتوجيه ضربة جوية مركزة ضد معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم داعش الإرهابى بالأراضى الليبية. وقد حققت الضربة أهدافها بدقة».
انتهى البيان الذى حمل يومها راحة الثأر لمن راح ضحية فساد القلوب والضمائر والسياسات، انتهى البيان الذى أكد هيبة الدولة المصرية وعدم سماحها بارتكاب ما يهدد أمنها وأمن شعبها مهما كان الثمن، انتهى البيان الذى تبعه إعلان أمريكا والغرب أن مصر لم تنسق معهم تلك الضربة لمعسكرات اعترفوا بأنها تؤوى الإرهاب! انتهى البيان الذى جعلنا نردد بعزم ما بنا من قوة «تحيا مصر فوق أى عدوان».
اليوم يفاجئنا صنّاع السينما بذلك الخبر المفرح لتتوالى الأعمال التى ثبت تأثيرها وضبطها لإيقاع حرب الوعى لصالح بلادنا، قريباً سنشاهد فيلم «السرب» الذى لن يحكى فقط عن واقعة تابعنا مشاهدها جميعاً وما زالت ماثلة فى الأذهان، ولكنها ستخلد أبطالاً ما زالوا يعيشون بيننا.. ربما يجلسون بجوارنا فى السينمات مع أطفالهن وزوجاتهن فى صمت ليتابعوا فيلماً كانوا هم أبطاله. سنشاهد «السرب» الذى لا بد سيحكى كواليس الضربة، وربما بعضاً من رسائل لا بد من أن يستمع لها من يظن بنا الضعف أو الاستكانة ولم يتعلم بعد مما حدث فى درنة وسرت وبنغازى وسواكن والبحر المتوسط. فمرحباً بما نعده لدعم الوعى وحماية الإدراك.
ستظل الدراما فى السينما والتليفزيون أقصر طريق لامتلاك الوعى والدفع لتصحيح المسار.. هكذا كنت أردد لأبنائى تعليقاً على ذلك الفيلم المنتظر. وضربت لهم مثلاً بفيلم بيرل هاربر الأمريكى الذى يحكى دخول أمريكا الحرب العالمية الثانية بعد ضرب اليابان لمينائها عام 1941 وكيف ثأرت من اليابان بإلقاء القنبلة النووية عليها فى نجازاكى وهيروشيما عام 1945، وكيف تعاطفنا مع بطلى الفيلم الشقيقين فى سلاح الجو الأمريكى حين مات أحدهما فى تلك المهمة، وتناسينا ونحن نشاهد أنه مات وهو يقتل 350 ألف يابانى بالقنبلة النووية.
فمرحباً بـ«السرب»، وفى انتظار المزيد حتى من قبل عرضه.