بقلم: نشوى الحوفى
ما معنى الحوكمة؟ مصطلح حديث يعنى النشاط الذى تقوم به الإدارة من تخطيط واتخاذ قرارات ومراقبة وتقييم للأداء، سواء كانت حكومة أو دولة أو مؤسسة، وبالنسبة للدول، فإن تحديد مستوى وكفاءة أدائها لا يتعلق بالتقييم الداخلى للدول أو المؤسسات بقدر ما يعتمد على معايير دولية من قِبل مؤسسات عالمية كالبنك الدولى أو الأمم المتحدة ومنظماتها أو المنتدى الاقتصادى العالمى.
وتشمل قطاعات الحوكمة المساءلة والمحاسبة للقائمين على الإدارة فى الحكومة والمؤسسات، سواء القطاع العام أو الخاص، والكفاءة والفاعلية فى استخدام الموارد المتاحة، ومشاركة جميع فئات المجتمع فى اتخاذ القرارات وتقييمها، وسيادة القانون وإتاحة العدالة لكل فئات المجتمع وفق قوانين واضحة ومؤسسات تضمن تحقيق تلك السيادة، والشفافية تعنى إتاحة المعلومات وسهولة تداولها لمن يطلبها.
من هنا تأتى أهمية فهم ترتيب مصر فى مؤشرات الحوكمة الدولية لمعرفة جدوى ما تم اتخاذه من قرارات الإصلاح الاقتصادى والإدارى فى السنوات الماضية ومعرفة مؤشرات تقييم سلامة الدولة واستقرارها. ولفهم ذلك يتم تتبّع الكثير من الجهات الدولية المتخصّصة فى إصدار المؤشرات الخاصة بدول العالم كالبنك الدولى والأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية والمنتدى الاقتصادى العالمى وغيرها من الجهات. ولكن يلفت انتباهك عند النظر فى تقارير تلك الجهات وجود تضارب فى ما بينها لترتيب مصر. على سبيل المثال مؤشر سيادة القانون، حيث نلاحظ التضارب بين تقرير البنك الدولى الذى أشار إلى تحسّن ترتيب مصر فى هذا المؤشر، وتقرير المشروع العالمى للعدالة، الذى أشار إلى ثبات ترتيب مصر فيه، وهو الذى يمكن تفسيره باعتماد تلك الجهات على بيانات غير مُحدّثة أو منظمات خاصة أو وجود تضارب فى البيانات من البداية.
من الممكن أن نأخذ مثالاً على تلك المؤشرات بمؤشر الحوكمة العالمية الصادر عن البنك الدولى ويرصد مستوى الحوكمة لأكثر من 200 دولة منذ عام 1996. ويستند فى حسابه إلى أكثر من 30 مصدراً من مصادر البيانات المختلفة التى تنتجها مجموعة متنوعة من معاهد المسح، ومراكز الفكر، واستطلاعات الرأى الفردية والمنظمات غير الحكومية، والمنظمات الدولية، وشركات القطاع الخاص. وتتكون مؤشرات الحوكمة العالمية من ستة مؤشرات تمثل الأبعاد المختلفة للحوكمة، وهى:
حق التعبير والمساءلة، ويقيس مدى قدرة المواطنين فى اختيار حكوماتهم والتعبير عن آرائهم، وحرية الإعلام وتداول المعلومات. وقد تراجع ترتيب مصر فيه فى عام 2019 إلى 8.37 من 100، بعد أن كان 13.3 من 100 فى عام 2018.
الاستقرار السياسى وغياب العنف، ويقيس الآراء المختلفة حول مدى احتمالية زعزعة استقرار الحكومة أو إسقاطها باستخدام طرق غير دستورية وعنيفة كالإرهاب، وقد تقدم ترتيب مصر فى هذه الجزئية من 12.38 من 100 فى عام 2018 إلى 12.86 فى 2019.
فاعلية الحكومة من حيث جودة الخدمات الحكومية والمدنية المقدمة للمواطنين وجودة صياغة وتنفيذ السياسات العامة. وقد تقدم ترتيب مصر فيها فى عام 2019 بنسبة 36.54 من 100، مقابل 30.77 من 100 فى 2018.
جودة الأطر التنظيمية، ويقيس مدى كفاءة الحكومة فى دعم القطاع الخاص وفتح آفاق جديدة أمامه. وقد تحسّن أداء مصر فيها بشكل بسيط من 17.31 من 100 فى 2018، إلى 18.75 من 100 فى 2019.
سيادة القانون ومدى رضاء المواطنين عن إنفاذه، خاصة فى مجال العقود وفاعلية الشرطة والمحاكم. وهو ما حقّقت فيه مصر 37.98 من 100، مقارنة بـ37.5 من 100 فى عام 2018.
السيطرة على الفساد ويقيس ثقة المواطن فى الموظفين الحكوميين والسياسيين ووجود المحاسبة فى حالات استغلال النفوذ ومدى توافر الشفافية فى مكافحة الفساد، وهو ما شهد تراجعاً فى ترتيب مصر، حيث انخفضت قيمته من 31.73 من 100 فى عام 2018، إلى 27.88 من 100 فى عام 2019.
توقفت أمام مؤشرات الحوكمة وأنا أدرك تسييس بعض البيانات والتقديرات، ولكن لا يمكن لعادل أن ينكر حدوث تطور بالأداء فى بعض المؤشرات، كما لا يمكن إغفال تراجع بعضها الآخر، وفى مقدمتها الفساد الذى يحتاج إلى قوانين أكثر ردعاً وأسرع فى المحاسبة.