بقلم : أسامة الماجد
في بعض الأحيان أدخل مع رئيس التحرير الأخ العزيز مؤنس المردي مناقشة عن “الفلسفة الوجودية”، فهو يعرف أنني من المهتمين بهذه الفلسفة بطولها ونغميتها ووقعها، لكنني أختلف مع رائدها جان بول سارتر في عدة تفاصيل خصوصا التي تتعلق بالوجود والحياة، وأتفق معه في رؤيته للفن، وقد اجتهد كثيرا الكاتب والمترجم المصري القدير مجاهد عبدالمنعم مجاهد في ترجمة العديد من كتب سارتر وقربها إلى المتلقي العربي، ففلسفة الفن عند سارتر بثلاث شعب، حديثه عن وظيفة الفنان، وحديثه عن الوظيفة الاجتماعية للعمل الفني، والشعبتان هنا يمكن أن تتحدا في قسم واحد، ثم الشعبة الثالثة حديثه عن النواحي الفنية والجمالية في حد ذاتها.
سارتر يفرق في حديثه في الفن بين الأنواع الفنية، فيجعل النثر في جانب، والشعر والرسم والنحت والتصوير والموسيقى في جانب، ويقصر الوظيفة الاجتماعية على جانب النثر وحده بينما يخرج الفنون الأخرى من هذا النطاق، وإذا كان أفلاطون قد أدرك الوظيفة الاجتماعية للشاعر ومن ثم طرده من جمهوريته لخطورة هذا المخلوق الذي يزيف الواقع الذي هو أصلا تزييف لعالم المثل، ولأنه ينطق بما يكتبه في حالة غير سوية، فإن سارتر لا يهتم بهذا الشاعر، هو لا يطرده ولا يعبأ به على أساس نظريته في استبعاد الشعر من دائرة الالتزام.
والأديب كما يرى سارتر عندما يتوجه لقرائه فهو يحدد جمهوريته، يحدد جمهوره على أساس نوعية ما يكتب ومفهوم ما يدخله في أدبه، ومن هنا يتم عند سارتر التوحيد بين الموضوع والجمهور، ويجعل التذوق قائما على نوعية ما يختاره الأديب لقرائه، فإذا حدث اختلاف في الأذواق، فذلك يرجع إلى الاختلاف في الدلالات التي يبثها المؤلفون في موضوعاتهم. سارتر يعتبر العمل الأدبي مجرد صرخات على الورق لا معنى لها إن لم يكن متوجها إلى الآخرين، ويرى أن الفنان يكتب ليقول شيئا ويؤكد علاقته بالناس. أتمنى أن يكون حديثي مخلصا عميقا عن هذا الفيلسوف الذي غير خارطة القلوب بمؤلفاته في فترة من الزمن.