بقلم : د. غسان محمد عسيلان
من الأدبيات التي تُروى في الكتب والدراسات المعنيَّة بالتربية والتعليم والمتخصصة في هذا المجال، ما يُروى عن التقرير الشهير “أمة في خطر A Nation At Risk” الذي صدر في الولايات المتحدة الأميركية (عام 1983م)، فعندما شعر المسؤولون بتراجع مستوى الطلاب في المواد العلمية والبحث العلمي وعلوم الفضاء اعتبروا أن أمتهم في حالة خطر! وقاموا بإعداد الدراسات العلمية المتخصصة في التربية، وصدر تقرير “أمة في خطر” وكان بمثابة صرخة مدوية أظهرت مدى ما يستشعره الأميركيون من خطر يتهدد تعليمهم، بسبب ما عدُّوه ضعفًا في المناهج، وتدنيًّا في نوعية التدريس، الأمر الذي نجم عنه انخفاض المستويات التحصيلية والعلمية للطلاب الأميركيين، وعلى الفور قاموا بتغيير المناهج وتطوير العملية التعليمية برمتها.
وليست قضية تطوير التعليم في عالمنا العربي ترفًا فكريًّا، ولا مجرد دعوة ينادي بها بعض التربويين، بل هي مطلب جميع الناس من صفوة وعامة لماذا؟! لأنها قضية حيوية شديدة الأهمية؛ فالتعليم ضرورة في أي مجتمع؛ لأن العلم هو القاعدة الصلبة التي تقوم عليها الحياة المعاصرة، والأمم المتطورة تؤسس نهضتها على العلم والتعليم الراقي المتطور، والبحث العلمي الراسخ، وهذان هما المصدر الأبرز لقوة الدول المتقدمة مثل أميركا وألمانيا وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، فعبر البحوث العلمية والدراسات والابتكارات، والاختراعات والاكتشافات صارت هذه البلاد متقدمة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمعلوماتية والتقنية.
ولا ينكر أحد أن التعليم في العالم العربي يعاني من أزمة مزمنة بسبب منظومة معقدة ومتشابكة من الأسباب، على رأسها وفي مقدمتها تغير السياسات التعليمية باستمرار، وعدم وجود خطط ثابتة طويلة الأمد، بل تتغير خطط واستراتيجيات التعليم بسرعة كبيرة، وحتى نتمكن من التغلب على التحديات التي تواجه تعليمنا لابد من وضع سياسات تعليمية واضحة وثابتة ومستقرة، والتوسع في إعداد وتأهيل المعلمين المدربين، وتحسين طرق الإدارة التربوية، إضافة إلى تطوير المناهج وعلاج الخلل في بنائها والمتمثل في اعتمادها على الحفظ والتلقين والجانب النظري، وإهمال الجانب العملي التطبيقي حتى في الأقسام العلمية بالجامعات!
إن التعليم يؤثِّر اليوم تأثيرًا بالغًا في حياة الأمم ومستقبلها، ولنا في اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة خير دليل في هذا المجال، فهذه الدول أسَّست نهضتها الشاملة على التعليم، وتنفق عليه مليارات الدولارات، فكم ننفق نحن العرب مجتمعين على التعليم مقارنةً بأية دولة من هذه الدول؟!.